رحل اللواء أحمد سيف اليافعي رحيل العظماء، واقفاً شامخاً مهابا، منتصب القامة مرفوع الهامة كالجبل الأشَمْ، نعم "كلما ولى عن الساحات فيك عظيمٌ شهدت منا عظيما" اليمن ولاَّدة الرجال والقادة العظام، قبل الاسلام وبعده وفي تاريخنا المعاصر، وحتى يومنا هذا، وقف الناس حيارى من آيات الصمود التي يسطرها أبناء اليمن وقادته، صابرين محتسبين رغم كل الظروف والشدائد والمحن التي تهيمن وتحيط باليمن من كل اتجاه، من بحرها والسماء.
قبيلة يا فع الحميرية تعد من أعرق قبايل حمير والذي ينتهي نسب جدهم يافع إلى الملك الحميري الشهير يريم ذو رعين بن الحارث الحميري، أبناء يافع التاريخيين الذين شاركوا مع الوفد الذي ذهب لمبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم قبيل التحاق اليمن بركب الاسلام، وأحفاده الذين شاركوا كقادة جيوش في الفتوحات الاسلامية، منهم سراج بن شهاب اليافعي، وحسان بن زياد، الذين خصهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويمنيون آخرون بالإجازة في عبور نهر النيل بعد طلبهم للإقامة في غربة، وسميت بلدة الجيزة في مصر باسم إجازتهم الممنوحة لهم حصرياً من قبل الخليفة حتى يومنا هذا.
إنّ استشهاد اللواء أحمد اليافعي في ساحات الوغى في أرضه في الشمال ضد الظلم والكبر والكهنوت، ليست بجديدة عليهم في قواميس التضحيات، بل هي امتداداً للتضحيات التي قدمها أبناء يافع مشايخ وقادة أشاوس وعلماء عظام وشباب لا يفل لهم سنان ولا يهزم لهم جَنَانْ، عبر كل الحركات الوطنية ابتداءً بثورة أيلول سبتمبر62 ومروراً بثورة 14 اكتوبر وانتهاءً بحروب صعدة والحرب التي يكتوي شعبنا بلهيب نيرانها اليوم.
اللواء اليافعي ابن القبيلة الحميرية الوحيدة التي لازالت محافظة على كيانها الاجتماعي الوطني الواعي الأصيل، بخلاف الكثير من أبناء عمومتهم في باقي القُبُل الذين ذابوا في المجتمع المدني لأسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية مختلفة وكسائر أبناء يافع الذين جمعوا بين الأصالة والمعاصرة في تلك الجوانب والصفات.
فرح الكثيرون لاستشهاد اللواء الراحل واغتّم آخرون، وهنا أقول للفرحين لا تفرحوا لأن الشهيد ليس أخر حلقة في سلسلة القادة بل هو أولها، وأقول للمغتمين لا تحزنوا لترجل فارسكم فذلك مسلك القادة وعشاق ساحات الذَّود عن الوطن، ولأن شهيدكم في الجنة ولا نزكيه على الله، والتاريخ لا يسطر بين جنباته إلا أكابر القوم ورموز الوطن الميامين، ولأنه عاش مهيباً في حياته سيبقى في قلوب محبيه عظيماً وعزيزا.
وعلى الرغم من كل الأصوات النشاز التي تحاول فرملة عجلة تقدم إخواننا الجنوبيين لتحرير أراضي الوطن وإن أعيقت لزمن إلا أنها لن تتوقف، لأن البروز الواضح لقادته الوطنيين مثل اللواء صالح طيمس وفضل حسن وفيصل رجب واللواء الصبيحي فرج الله عنهم، والعميد محسن الداعري شموسٌ لن تحجبها مناخل المنهزمين أصحاب المشاريع الصغيرة وعملاء النظام الهالك، هؤلاء القادة شعارهم الدائم "لابد من صنعاء وإن طال السفر وتحنى كل عَودٌ ودَبَرْ" لإيمانهم العميق بأنهم مسؤولون أمام الله وأمام شعبهم على تحرير اليمن كاملةً من الجبل إلى البحر ومن الصحراء إلى التَّل، ولا نقول هنا إلا وداعاً يا عملاق العسكرية وشرفها ونبراس الشعب والوطن.
كلما ولى عن الساحات فيك*** عظيم شهدت منا عظيما
خلفه نمضي .. ولا خلف لنا*** ما مضى فينا أميناً مستقيما