تعليم على وقع القذائف
الخميس, 21 يناير, 2016 - 09:02 مساءً

سابقت خطوات الأطفال من مختلف الأعمار خطواتي، في مدينتي الحالمة تعز ، وهم متوجهين إلى البقالة، لشراء الحلوى بعد خروجهم من المدرسة، نعم" المدرسة"، التي انقطعوا عنها منذ بضعة أشهر.
 
مدرستهم في حينا، هي غرفة واحدة في المسجد، تم تقسيمها بواسطة الستائر، إلى فصول، وضم كل فصل مجموعة من الطلاب، وفي تلك المدرسة قبل شهر وعشرين يوما بدأ عامهم الدراسي، وبعد شهرين وعشرة أيام، سينتهي ذلك العام، نعم ينقضي العام الدراسي خلال أشهر قليلة وهذا هو المتاح، فالجميع في المدينة التي ظلت لعقود تصدر العلم والثقافة، يحاولون- كيفما اتفق- أن لا يسمحوا بضياع مستقبل كل أولئك الأطفال.
 
البعض من الطلاب كان يرتدي الزي المدرسي، وآخرين لا، لا يهم، فهم جميعا يحملون الأقلام والدفاتر والكتب، بعد أن غابت عن أيديهم لأشهر، ويزدانون بالسعادة التي لم نعد نعرفها نحن الكبار، في ظل كل هذه الفوضى التي تعم كل شيء حولنا.
 
عادت الحياة إلى وجوههم، بعد أن سلبتها الحرب من أرواحهم، وأورثتهم مكانها الخوف والقلق والحزن.
 
مخلوقات الرب الصغيرة، كانت تملأ الشارع الفرعي الذي يقع فيه المبنى الذي يدرسون فيه، وذكرتني بالصيف الذي يعمل الجميع فيه بدأب، هناك حين الموطن الأول لأرواحنا.
 
أثناء سيرهم سقطت قذيفة على مقربة منهم،  حدقت أعينهم جميعا نحو دخانها، لكنه تلاشى بسرعة، فحجمها كان صغيرا، لكنها لم تقتل أحد هذا الصباح كما اعتادت القذائف أن تفعل هذا دوما هنا في تعز، دون أن تميز بين الصغار أو الكبار، وحين تأكدوا بأن الدخان الذي أخذ أحلامهم السعيدة معه، عادت قلوبهم ثانية من بعيد، حيث العالم الذي لا يشبه أرواحهم النقية، وخفقت ثانية بالحياة، مزيحة من طريقها، الخوف الذي سكن قلوبهم طوال أشهر.
 
هم يتوجهون كل صباح إلى مدرستهم، وفي الطريق يتبادلون مع بعضهم قصص زملائهم الذين بعثرت قذيفة دفاترهم وأقلامهم، وقتلت دون رحمة أحلامهم، ويلتقطون بكثير من الحنين صور مدارسهم التي تحتفظ بها حافظتهم، ويشاهدونها وقد تم تدميرها أو تحويلها إلى ثكن عسكرية أو سجون.
 
هم يدخلون بأقدامهم الصغيرة بيت الله، يجدون الله( السلام) وحده، ولا يجدون السلام في البشر، الذين لا يكترثون لأمر استهداف حتى بيوت الله التي تحول بعضها إلى أماكن للتعليم.
 
أولئك الصغار يبتسمون، لأن قلوبهم البيضاء لا تعرف غير أن تبتسم وتنسى؛ لنبقى نحن الكبار خجلين من قلوبنا، التي حين تغرق بأهوائها ، لا تكترث قط لأحلام الصغار، أو تطرد الخوف من قلوبهم الذي تسببنا نحن به.
 
وأنا أشاهدهم كسرب  الحمائم، تعجبت، فكيف لا تخجل منهم القذائف التي تتربص بأطفالنا، وحجم بعضها بتجاوز حجم أجسادهم، وأتساءل، كيف لا يجدون من يقتلون لغة غير لغة القتل والعنف، وهم يستمعون إلى وشوشات أولئك الصغار، وحركاتهم البريئة، وإيماءاتهم العفوية التي شكلت لغة.
 
في هذا الصباح البارد، أنفاسهم وبهجتهم كانت الدفء للمكان الخالي من أوهامنا والمسكون بالملائكة الصغار حاملي الحقائب والأرواح الشفافة.
 
صغار مدينتنا الأجمل، أهليكم الذين أعطوكم الحلوى، على الرغم من الظروف القاسية جدا، سوف يجعلون مدينتكم تبتسم غدا، وسيعود رفاقكم المهجرين إلى حضن المدينة التي ستتسع ثانية لكل أبنائها.

التعليقات