قد تنام العين لكن القلب المهموم بجراحات الوطن وآلامه لا ينوم، قد يذهب الخيال بعيداً لكن سرعان ما تعود الذاكرة عند استعراض صور مآسي الحرب وآثارها وانعكاساتها النفسية والروحية والوجدانية على حقوق المرأة والطفل، ذلك ما تم عرضه ومناقشته في الفعالية التي أقامها مركز الدراسات اليمنية- يمنيون في كوالالمبور بمشاركة نسائية وشخصيات أكاديمية وطلابية فاعلة أبرزها الناشطة الحقوقية وفاء الصلاحي التي قدمت عرضاً موجعاً لآثار الحرب على المرأة اليمنية في اليمن عموماً وتعز على وجه الخصوص.
الناشطة الصلاحي قدمت أرقاما مخيفة عن حالات قتل واختطاف وإعاقة واعتقال لليمنيين وللنساء على وجه التحديد، أرقاما مفزعة أثارت مشاعر الغضب والحزن لدى الحاضرين الذين اندهشوا من المستويات الأخلاقية المتدنية التي مارسها المجرمون القتلة ضد أبنا تعز عن طريق القنص والقصف والحصار، والاهانات والإذلال للمرأة والطفل والعجوز في مداخل المدينة ومعابرها المصطنعة، تتجاوز البشاعة أحيانا الحدود القصوى للإنسانية وقيم الدين ومقومات الفروسية والرجولة.
مآسي وآلام وانتهاكات لحقت بالمجتمع اليمني عموما والمرأة خصوصاً، تستحق جهود الباحثين وسهر المهتمين ودعم المقتدرين وتستحق ألف فعالية وندوة وألف كتاب ومليون بحث ومقال، المرأة اليمنية شريك فاعل في بناء الأسرة والمجتمع اليمني عبر التاريخ ،كانت الرديف الدائم للرجل في الحقل الزراعي أثناء الزراعة والحصاد وكانت رافداً اقتصادياً للأسرة عن طريق مشاركاتها في الأعمال التجارية والمهنية برغم المعاناة التي أصابتها وحرمتها من كثير من الحقوق أبرزها التعليم والمشاركة السياسية الفاعلة وحتى حريتها في اختيار شريك حياتها.
كل هذا الحرمان الذي قاسته المرأة اليمنية عبر تاريخها الوسيط المظلم تمزق بإشراق شمس الثورة الشبابية التي كانت الصباح المشرق بعد ليل بهيم طال ظلامه على الشعب اليمني بكل شرائحه الاجتماعية، فكانت المرأة اليمنية النجمة التي سطع ضوئها حتى سحبت الأنظار لمشاهدة الصورة المعلقة للمرأة اليمنية في عنان السماء وشدت الإنتباه وأيقظت أصحاب المفاهيم المشوهة عن المجتمع اليمني الذي كانت الدول الإقليمية والدولية قد أودعته في خانة التخلف والعنف والهمجية كنتاجٍ لتخلف الأنظمة العتيقة التي تعاقبت على حكم اليمن.
ثورة 2011 الشبابية كانت بمثابة الشعلة التي فجرت براكين الغضب اليمني ضد الظلم والتهميش والاقصاء والفساد، فكانت المرأة اليمنية في الصفوف الأولى شهيدة وجريحة وسجينة وطبيبة وصحفية وأديبة وداعية، وكانت أم وأخت وزوج إما لشهيد وأسير أو مختطف وجريح، المرأة الفبرايرية كانت الوجه الحزين والقلب الباكي والعبرة الحراء التي تدحرجت على وجه الزمن الأعمى في عهد الطغاة الذين طال طغيانهم كل ذرة في رمال اليمن وصخره، في جباله وشجره، في حقوله والشعاب، فكانت زهرة في الأرض وسحابة في السماء ودماء جرت في شرايين الجسد اليمني المثخن بالجراح.
هذه الندوة في يوم المرأة العالمي كان من نتائجها الخروج بمفهوم واضح إلى أن الحرب الراهنة فُرضت على الشعب اليمني فخاضها مكرهاً وبمرارة دفاعاً عن الحقوق والحريات وبحثاً عن دولة العدل المختطفة، والخوف كل الخوف من انتهاء الحرب أو انهائها دون تحقق أهدافها أو إعادة صناعة الطغيان بطريقة أخرى وإعادة انتاج الاستبداد مرة ثانية، وذهاب كل التضحيات التي قدمها الشعب اليمني أدراج الرياح، وتكرار نتائج ثورة السادس والعشرين من سبتمبر أيلول من جديد.
المرأة اليمنية هي الوحيدة دون سواها في هذا الكوكب من ضحت ولا تزال تضحي في سبيل اليمن وشعبه، وأدوارها التي لا تخطؤها العين مثالا ناصعا لذلك الفداء ولتلك التضحيات الجسام، فلها كل التحية والإجلال أماً وأختاً وزوجةً وبنتاً، لها كل التحية حفيدة بلقيس وتوأم أروى، ومهما طال هذا الليل المدلهم خطوبه على مجتمعنا اليمني فلابد له أن يزول ويندثر ولابد للحُجب التي غطت على شموس اليمن البهية أن تذوب.