من قال انه ليس للحروب والانقلابات على الدولة فائدة تاريخية وسياسية يظل مخطئا لأن تجربتنا الشعبية وغيرها من تجارب الشعوب الاخرى تقول عكس ذلك , تقول ان الحروب التي تشعلها رغبات انتقامية هي ذاتها التي تعيد للشعوب وبعنف حاجتها الروحية الى فكرة الحرية او هكذا تقوله تواريخ الثورات على امتداد عصورها وتجاربها.
بمعنى اخر كانت ثورة الـ 26 من سبتمبر الى ما قبل الحرب والتمرد تعيش حبيسة الوعي البروتوكولي الذي مكن سلطة صالح الحاكمة في تلك الفترة من تحويل قيمة الثورة من كونها استحقاقا شعبيا بذلت في سبيل إنجازه تضحيات عديدة الى مجرد استحقاق سلطوي اخمد الوهج المتنامي للثورة, واخرج اهدافها عن موضعها الصحي.
لم تكن هذه العملية مجرد فعل غير مدروس او مصادفة محضة توافقت مع فترة حكم منظومة صالح , بل كان الهدف العام منها إطالة عمر الاستبداد وخلق ديمومة له , ومن ثم اخراج الوعي العام من سياق فهم قيمة الثورة والحرية ومعنى المواطنة الى جعله يلخص فكرة الثورة في انها ثوب للحاكم هو فقط من يحدد شكله وحجمه.
فعلى مستوى الهدف الاول للثورة السبتمبرية خلقت الفوارق الكثيرة بين طبقات المجتمع خلافا تماما للنص الأول , بينما اصبحت باقي الاهداف مجرد هوامش وضعت على شكل نصب تذكاري في ميدان السبعين من خلاله كان يذهب صالح في كل ذكرى للثورة ليبتز العواطف المجتمعية المتمسكة بالإرث النضالي السبتمبري .
ثلاث سنوات من الحرب وخيبة الأمل كانت كفيلة بالتمتع بتفاؤل تاريخي لا اعني هنا بالنظر الى واقع ما ألحقته الحرب من دمار , بل الى ما انتجته من وعي مجتمعي يناهض كل ما من شأنه تزييف وعيه او يمس بحريته وهنا بالذات يصبح التاريخ ذا فائدة حالية و مستقبلية معا.
من يتحدث اليوم عن سبتمبر وكأنها ثورة لم توجد تراكمية في الوعي، او انها لم تخلق مجابهة مجتمعية للاستبداد , يتحدث عنها بنظرة استعلائية تجاوزت التاريخ , يتحدث بطريقة تناقضت مع كل ادوات المثقف التي اصبحت لا تنظر اليوم الى صور الاستبداد المختلفة كالإمامة مثلا في كونها خطرا على كل شيء واولها على ادوات المثقف نفسه في التعبير عن وجوده.
العقلية الامامية التي يصعب عليها التعايش مع ملامح الحاضر عقلية تعيش خارج إطار المستقبل وهو ما يبدو الحال عليه الآن لدى جماعة الحوثي التي اصبحت تعيش عزلة اجتماعية منغلقة في مجموعة سلالات ماضوية لا تعرف غير ترديد اقاويل زعماء السلالة وتخلق تناسلها البيولوجي داخل دائرة التعصب والاحقاد المترامية.
نجحت ثورة أيلول فقط لانها كانت ذو مرجعية وطنية جامعة , بمعنى انها لم تحمل بعدا عقائدي , ولا خطاب هووي ,ولم تحمل هوية فئوية او طائفية كبديل للهوية اليمنية في ذلك الوقت وهي ذاتها الهوية الجمعية التي تتلخص في الانتماء للارض ،اللغة، التاريخ , الحضارة.
في تاريخ النضال الشعبي لا تعود الثورات إلى الوراء (حقيقة ثابتة) , وإن شهدت بعض مراحلها موجات تعثر عنيفة امام قوى الثورات المضادة الا انها تنهض من جديد لتتعلم من الاخطاء وتعيد مجرى التاريخ على اساس قاعدة مقارعة الاستبداد وتفجير جميع حيله.