لم تكن شرارتها الاولى فعل عفويا لا تراكم ولا بعد له , بل بداية لثورة كفاح شعبي ضد إمبراطورية راج ان الشمس لا تغيب عنها, فمن جبال ردفان صدح صوت الثورة وصدحت بنادقها , ومن تلك المرتفعات غابت شمس الاحتلال بلا رجعه.
على أرض مدينة لحج آنذاك وفي الرابع عشر من اكتوبر الف وتسعمئة ثلاثة وستين تجسدت ملامح الثورة الثانية, ثورة امدت كنتيجة نضالات عديدة لحركة وطنية جابهت مختلف اشكال التبعية والاستعمار وحطمت في طريقها كل الكيانات الفئوية.
فكما كان لثورة الشعب في صنعاء شمالا كلمة ضد الاستبداد والكهنوت والامامة الرجعية المتخلفة , كان لابنا عدن أيضا كلمتهم الاخرى ضد الاستعمار ,وصوتهم الاعلى في طريق الاستقلال الوطني وطرد المحتل.
ثورة تحررية وطنية رُسمت ملامحها الأولى عند اول طلقة وجهها أبناء ردفان بقيادة المناضل غالب بن راجح لبوزة البطل الذي كان عائدا ومجموعته من الدفاع عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر.
وفيما كان الصراع في المجمل صراع هويات , الاولى هوية اتت غاصبة للأرض من اطراف الارض , كان التمسك بالهوية الجامعة جنوبا والتصدي لكل المشاريع الاستعمارية بمثابة حجز الزاوية الذي تأسست عليها كل نضالات الشارع في عدن.
فلم تكن الثورة الاكتوبرية مجرد مسار نضالي خاض معركة مسلحة مع القوات البريطانية فحسب , بل كان أيضا خط نظريا اسس عليه مشروع مجتمعي متكامل مكن من شرح الواقع وحدد مختلف القوى التي تتفاعل بداخله .
هذه العوامل وغيرها انضجت الفعل الثوري واخرجته من الاطار العسكري الى الاطار السياسي لتشارك فيه بعد ذلك كافة القوى والمنظمات والحركات المدنية والعمالية.
سنوات من الاجتهاد والصراع الذي خاضته جبهة التحرير والجبهة القومية ضد الاستعمار كانت كفيلة بإنتاج مفاهيم تحريره ناهضت واقع الاستغلال ومصادرة الحقوق واهمها الحق بملكية الوطن نفسه.
طوت ثورة أكتوبر عهودا من الظلم وحددت ملامح مستقبل الأرض التي عادت الى أهلها , وكانت الثورة بحد ذاتها تجسيدا لفكرة صهر قوى المجتمع في قاعدة التشارك ومن ثم الغاء السلطنات الاستبدادية التي أنشأها الاستعمار وظل يسيطر من خلالها لعقود طويلة من الزمن.