تحدد الطبيعة الجغرافية والمكونات الإجتماعية والموروث الثقافي للشعوب نمط الحياة التي تعيشها،وتختار الشعوب أنظمة الحكم فيها بما يتناسب وتنوعها وطبيعة تفاصيل مبانيها الثقافية وأنسجتها الاجتماعية والعرقية ومعتقداتها الدينية والمذهبية وتلك هي الحالة الطبيعية الحقة التي يجب على المجتمع اليمني تقبلها والارتضاء بها والخروج عن دوائر التفكير الانتهازي العقيم لبعض الأطراف التي تتصادم مع طبيعة المجتمع وتطلعاته.
لم تكن التجربة اليمنية الوليدة المتعلقة بالنظام الاتحادي، والتي يعارضها ويقف في طريقها الكثير من مجانين السلطة والمصلحة، هي الأولى في العالم. بل إن الكثير من دول العالم كانت دولاً بسيطة ثم تحولت إلى فيدارالية أو اتحادية. أو كانت دولاً مستقلة فاتحدت وذابت في شخصية دولية واحده مع الاحتفاظ بأنظمتها الداخلية المستقلة وفقاً لطبيعتها وبما يتناسب مع مصالح وتركيبة بقية أعضاء الاتحاد الذين تجمعهم أهداف مشتركة ومصير واحد.
المعضلة العميقة والمؤلمة التي يواجهها الشعب اليمني في تنفيذ مخرجات حواره الوطني والسير نحو بناء الدولة اليمنية المدنية الاتحادية الحديثة تتمثل بالعوائق التالية:
العائق الأول: هم الذئاب البشرية التي كانت عبر التاريخ ولازالت حتى اليوم معول هدم لكل جميل ومقبرة لوأد طموحات الشعب اليمني العظيم. لدرجة يحتار معها المرء كيف يحمل هؤلاء كل هذا العداء و البغضاء لهذا الشعب الكريم الذي منحهم كل شيء ولم يجد منهم شيء. فبإسمه تاجروا وتسلطوا ونهبوا مقدراته لعقود طويلة. و لم يجد منهم سوى الجحود والخذلان والنكران، فنزلوا به تقتيلاً و تنكيلاً و أذاقوه من البلاء اصنافاً. صوُدِرت حريتة و نُكِّل به و اصبح الوطن سجنا كبيراً موحشاً و مظلماً لا يرى الشمس!
أما العائق الثاني: فيتمثل بهجرة رأس المال والعقول والكفاءات والطاقات الوطنية والايدي المهنية العاملة وكل العلماء والمفكرين، و الذين لم يجدوا في وطنهم بيئة حاضنة لتطبيق افكارهم و تطويرها و تطبيقها في مقابل بقاء عصابات تعتقد أنها الوريث الشرعي والمالك الحصري للوطن أرضاً وإنسانا فتجر البلاد من تخلف علمي وعقلي إلى فساد ودمارٍ كليٍ وشامل على كل الصُعُدْ.
أما العائق الثالث: فيتمثل ببعض أحزاب الكارثة التي تمثل امواجاً من الهوى المسلح بالقناعات الشللية العتيقة التي اكل الدهر عليها و شرب. تنساق دون وعي منها إلى مجاهيل سحيقة من التشتت والعنف دون رؤية أو علمٍ مسبق بالمصير. تضيق بكل خلاف ولا تجد وسيلة للحياة وحل تبايناتها إلا بالاقتتال وإراقة الدماء دون مراعاة لحرمة إنسان أو قيمة دولية للوطن بين الدول. ولا تمتلك اية رؤية استراتيجية لبناء الوطن، ولا تعدو اجنداتها عن شلة تجمعها مصلحة ما وترى في الحزب الوعاء الكفيل بتحقيق تلك المصالح الشخصية اللاوطنية. ومهما حاولت اخفاء حقيقة وجهها بأقنعة الوطنية، لا تلبث الا ان تسقط تلك الاقنعة عند أقرب استحقاق وطني و تتكشف قبحها وهواها، وقد كشفت الاحداث الراهنة التي يمر بها الوطن بما لا يدع مجال للشك حقيقة الكثير من تلك الاحزاب.
العائق الرابع: الثقافات والعادات السيئة المكتسبة التي يؤمن بها الكثير من القيادات العسكرية والاجتماعية المتعلقة باستحلال المال العام الذي كان أساسه مذهبي هادوي انحدر قبل ثورة 26 سبتمبر من معتقد أنه من حق الهادوي " الهاشمي" أخذ ما يكفيه من المال العام ولا يتعارض ذلك مع مقتضيات الشرع فانسحب المفهوم على القبيلة التي سارت وراء المعتقد بعد ثورة السادس والعشرين عززه نظام عفاش البائد ولا زال البعض يستجره ويمارسه في صفوف السرعية حتى الساعة.
فعلى الشعب اليمني مواجهة تلك العوائق كما يواجه المريض النفساني حقيقة مرضه وطبيعة علاجه دون دواء، ولا يأس مع الصبر وتكاتف الجهود، ولا أمل بدون جهدٍ وعمل. الوطن غني وزاخر بالقامات الوطنية رموز النضال الذين يقفون مع الحق ويرددوا نشيده الوطني، ثابتين كقمم شماء لا تنحني رؤوسهم للعاصفة مهما كانت عاتية ولا تنجرف معها ابداً. أقدامهم راسخة على الأرض، وتقاتل على رؤوس الجبال، وهممهم تناطح السحاب. ومهما أرخى ظلام الليل علينا سدوله ستنجلي كل أنواع الظلام وتنكسر قيود الظلم والطغيان مصداقاً لقول شاعر الرومانسية أبو القاسم الشابي رحمه الله:
إذا الشعــب يومــا أراد الحيــاة فلا بـــد أن يستجيب القــدر
ولا بـــد لليــــل أن ينجلـــي ولابـــــد للقيـــــد أن ينكســـــر
ومن لم يحب صعود الجبــال يعش ابــد الدهــر بيــن الحفــــر