ثورة فبراير 2011 هي القصة الكبرى والحدث الوطني الايجابي الذي شغل الجميع، وأسقط عروشاً وهدم صوامعاً وأقام صروحاً في الوطن، هي القدر الذي كان حلم الشعب اليمني انتظره طويلاً من زمن بعيد، فكانت ثورة وعي وعلم وثقافة ديناميكية متحركة، أحدثت في الوعي الجمعي مالم يحدثه السيف والبندقية، في كل مراحل الأنظمة البائدة، فكانت ولا زالت الحصان الجامح والحصن المنيع الذي بناة الشباب الواعي في تفكيره والمعين الصافي، النقي من تشوهات الماضي السلالي والإمامي والقبلي والمناطقي المقيت، ولأن الشباب القادم من عامة الشعب وطبقاته المسحوقة المظلومة والمحرومة من سبل العيش الكريم كانوا وسيظلون هم قدره الجميل الذي حمل على عاتقه مصانع التغير وصناعته.
نظرية الثورات التغيرية الناهضة في العالم أجمع تقضي بأن النخب الواعية المقهورة والمظلومة من الشعوب هي التي تنفجر، تثور وتضحي وتبذل الأرواح وتسكب الدماء في سبيل التحرر والانعتاق.
أما المتخاذلين وركاب قطارات المصالح وأصحاب القصور والارصدة والبنوك منتفخي الأوداج والبطون ،طواويس الرفاهية والساونات والنعم، لا يثورون ولا ينتظر منهم احداً بذل الجهد وتَحمُّل المعاناة والتعب والعناء، لأنهم لا يقدرون عليه ولا يجيدوه.
وجزءً كبيراً من الشعب في العادة لا يثورون، ولا يثأرون، بل ينقادون ويساقون وهم لا يعلمون لمن ولأجل ماذا يساوقون ويقادون، وهذه الحالة الشائعة في أوساط المجتمع اليمني في كل دروبه وسواحله وسهوله اليوم تتكرر وتدور.
لأن حاملي الهم الوطني والفهم العميق لقيمة التغير ومعاني الحرية واهميته، هم القلة القليلة وبهم تتغير وجوه الحياة وحياة الشعوب، ثورة 11فبراير برغم ما حلَّ بالشعب من هدايم وأسى إلا أنها كانت الصاعق الذي فجَّر العبوات الناسفة المزروعة في قلب المجتمع اليمني وأظهرت كل الخبائث ودفعت بها إلى السطح لمواجهته وسحقه.
رفض شباب ثورة الشباب الخنوع لدين الملك فأصبحوا رمز النضال وجند الوطن يخوضون المعارك، ويتسلقون أعالي الجبال وصولاً إلى أعلى القمم حرباً ضد فلول بواقي الإمامة والعصبية القبلية والتعصب من كل مكان، هم من أحرق الأقدام على رمل السواحل واكتوى بنار الشمس وهزت قوائمه برد الليالي في وجع الشتاء القارس، ولم تحترق تلك الهمم بل ازدادت لهيباً واتقاد، وقوائمه لم تسقط بل زادت ثباتاً علواً وتسامي.
المنتحبين على الزعيم بحجة أنها نكبة كسرت المدير والقائد الفاسد وكرامة الشيخ وشرف القبيلة الذي أهانته الحوثية وكسرت هاماته الفجَّة، نلتمس لهم العذر لأن الجهل اعمى وأعمى من أصيب به.
أعذرهم لأنهم عجزوا عن الخروج من دوائرهم المغلقة، إما جهلاً أو خوفاً أو حفاظاً على المصالح وأداروا ظهورهم للشعب، هذا إن لم يكونوا قد تورطوا بجرائم الحرب مع الحركة الحوثية ضد الشعب اليمني في كل مكان دفاعاً عن مصالهم الأنانية. بل طاشت عقولهم عن التفريق بين الثورة الوطنية المتمثلة بثورة الشباب... ونكبة 21سبتمبر 2014 السلالية صناعة كهوف الظلالة وجنون عفاش الهالك.
إن ثورة الشباب السلمية ستظل القمر المضيء والفرقد المتقد في سماء اليمن ليلاً ونهاراً وإن تسلل إلى مواكبهم وساحاتهم الثعالب والأفاعي، منزوعي الطموح والهوى والهوية الوطنية، وإن تعثرت الخطى إلا أنها لن تتوقف، بل ستواصل المشوار وتصل، وتبني الصرح الحضاري الذي حلُم به ثوار اليمن القدماء منهم والمحدثين أولهم وآخرهم. وقد مجَّدَهم الشاعر الشاب أبو القاسم الشابي بقوله:
إذا الشعــب يومــا أراد الحيــاة*** فلا بـــد أن يستجيب القــدر
ولا بـــد لليــــل أن ينجلـــي*** ولابـــــد للقيـــــد أن ينكســـــر
ومن لم يعانقــه شــوق الحيــاة*** تبخــر فــي جوهــا واندثـــر