صنعت الثورات اليمنية الباعثة للشعب اليمني، أعياداً وطنية سنوية، تُجدد الأمة فيها ذكرى انتصاراتها وتتغنى ببطولات ابنائها ورجالاتها المخلصين، وتحتفي بهم وأبنائهم وتقدم آيات الوفاء لأرواحهم الساكنة في أعشاش الجنة ونعيمها.
فكانت ثورة الحادي عشر من أكتوبر 2011م وستظل ذلك العيد وكل المعابد والمعين الصافي الذي تستحم به أرواح المناضلين وعشاق الوطن، لأنها أخرجت بلهيب توقدها الخبث الذي علق بثورة 26 من سبتمبر واقتادت اللصوص إلى ساحاتها وعرَّت انتماءاتهم الزائفة للثورة الأم والقت بهم على رصيف اللحظة التاريخية المنسية في الزمن الكئيب.
ثورةٌ ضمت كل بنى المجتمع، الفوقية والوسطى والدنيا، شباباً رجالاً ونساء، ومن شذ عنها شذ في ناره الشيطان وشروره. طهَّرت اديم الأرض، إحتوت كل طبقات المجتمع دون استثناء لعرق أو دينٍ أو مذهب. غسلت ثورة الشباب الفتية واقع الأرض اليمنية من لصوص الثورة والثروة والمبادئ والقيم.
قد يهز البعض رأسه ويدير ضهره سخرية مما نكتب أو نقول كونها "نكبة" في نظرهم لأنها حرَمَتهم المصالح والامتيازات، وأحدثت باليمن المآسي وأُشتعلت الحروب عقب تلك الثورة والشقاق السياسي والتشظي المجتمعي، وفي الواقع ما كان ذلك إلا من فيضها الثوري ونجيع جرحها الدامي المسجى تحت جلودهم وشعورهم فجَّرَته وأخرجته إلى السطح، ووضعت عليه مواسم الكي وأدوية التطهير والاستشفاء. وتلك نتيجة حتمية أغاضت أولئك ولم تحلُ لهم لأنها طالبت بتطبيق مبادئ العدل والمساواة ودولة القانون التي صادروها وعملوا على تغييب قوانينها في غياهب جهلهم وشقاوتهم ومصالحهم كي لا يعرف الشعب حقه في العيش وحقوقه في الحياة.
ثورة فبراير المجيدة الصانع التاريخي الوحيد لنظام اليمن الاتحادي القادم الذي رفضه كهنوت السلالة المتمثل بالحوثي وجنون العصبية القبلية المتمثل بالمقبور صالح. اتفقا على رفضه وهم خصوم غير متصالحين مصادرةً لحق ملايين اليمن الحرة قرون من الزمن، وتقرير شكل دولتهم ودستورهم الذي أصاغته النخبة من رواد الفكر والقانون في اليمن، وتوافقت عليه كل شرائح المجتمع اليمني تحت سقف مؤتمر الحوار الوطني.
ثورة فبراير لن تخبو ولن ينطفئ، أشعلها شباب الثورة المستَعِر، نُقِشتْ بدمائهم آيات الخلود على صفائح التاريخ الساخنة في العصر الحديث. ولن تذهب تضحياتهم واحلامهم مع الريح كما ذهبت في الماضي لأنها ولدت وأينعت في زمن التوثيق الالكتروني والتصوير الوثائقي الحديث الذي لن يكون بمقدور الكهنة والمأفونين نكرانه أو والتدليس عليه وحجب سمائه الواسعة، وسيتم تخزينها في ذاكرة الأجيال التي لن تنسى صنائع أسلافهم الثوار وعلى خطاهم ستسير القوافل وسترسوا على شواطئ أحلامهم السفن.
يقول الأستاذ عباس العقاد في أحد روائعه..
فشَتِ الجهالَةُ واستفاضَ المُنكَرُ*** فالحقَّ يسري والضلالة تجهرُ
والصدقُ يسري في الظلامِ ملثماً***ويسيرُ في الصّبحِ الرّياءُ فيُسفِرُ