ونحن نعيش بأرواحٍ مترفةً بالعشق والضوء والحنين إلى اليمن مسنوداً بالنقاء الوطني وارتقاء الذات وصفاءً في الذاكرة تشتعل الحروف بين أيدينا وتنكرنا الأقلام أحيانا، وترفض الأوراق حبرنا وخيالنا في أحايينٍ أخر، لأن المؤذن فينا صار وجهته السلطان وصار الكاتب وجهته الخزائن يقوده الحرمان وتأسره رباق الأزمات، صار الأخ يطعن بسكينه ظهر أخاه وبات اللَّهث وراء المناصب والمكاسب يخدش الحياء ويجرح الذاكرة وصار الزمان غريباً والأرض يباب، وصارت دكاكين الارتزاق وأسواق العبودية لا حدود لها، فكانت نتائجها كارثية بكل المقاييس.
 
النتائج الحتمية للعبودية والارتزاق التي لم تأت إلا لأسباب موضوعية نظرية وتطبيقية سبقتها بأزمان، توارثها الناس واكتسبوا آثارها قولاً وسلوك على المدى البعيد والقريب، فبات البعض ينظر إلى نتائج كارثة الحرب في اليمن اليوم متجاهلاً الأسباب عن دراية، أو متجاهلا الحقيقة تحت ضغوطات عقلية ووجدانية سياسية حزبية جهوية أو مذهبية، كامنة في عقل المتحدث الباطن تطل برأسها على السطح أحياناً لا شعورياً وبغير قصد.
 
الحقائق التي وزَّعَت الناس بين ممتهني العبودية المطلقة للحوثية وهرطقاتها مع الكثير من الهراطقة المدلِسين الجدد، الداعين إلى خرافات خارجه كلية عن مدارك العقل والمنطق، ومقتضيات حياة الناس في العصر الحديث، يرددونها في عصر التقنية والثورة الصناعية والعلمية التي ولج إليها واكتسبها عشرات الآلاف من اليمنيين المنتشرين في كل بقاع الأرض مبدعين علماً واختراعاً وأعمال تجارية وصناعية ناجحة بدون خوف من لعنة الله أو خجلاً من نظرات الناس ومدوني التاريخ.عبودية العقل من ناحية وعبودية المال من ناحية أخرى بمعنى أن البعض استُغِلَتْ طرائق جهلهم وغياب عقولهم عما يدور من حولهم فسيقوا إلى وديان الموت والفناء غير مدفوع الثمن، والبعض الآخر استغل هواهم المفرط للمال الذي غيب عقولهم درجة الجنون وجعلهم أدوات ملوثة بأيدي مجانين السلطة وهواها، يرقصون في عوالم اللاوعي بعيداً عن آلام ومآسي اليمنيين الأبرياء في كل مكان.
 
أما حالة الارتزاق فتلك ثقافةُ أخرى لا ينام على ألوانها جفنٌ ولا يستريح من وخزها ضمير إذ أنها البيع الرخيص للمبادئ ممن يعيها ويحمل شيئاً منها، إنه سقوط المرتزق والارتماء في أحضان الغير حاملاً رايته الغريبة، وفكرته المشوهة الظالمة، ومشروعه الهدام دون وازعٍ من عقل أو ذرةٍ من إباء، تلك الطريقة الفردية والجماعية العشوائية في الشمال والجنوب على حدٍ سواء.أما الارتزاق الميليشياوي الفئوية المنظم وانقياده الأعمى وراء تنفيذ السياسات الخارجية وتجريف التاريخ وطمس الهوية وتعاليم الدين بما يتناسب مع هوى الغازي الايراني صاحب المشاريع التوسعية، ساعية لتحقيق حلم التسلط والنفوذ ومصادرة أموال الناس بغير حق العصابة الحوثية لذلك نموذجاً ودليل..تلك صورة.
 
أما الصورة الأخرى فهي الارتزاق عن طريق الاتّجار المنظم بأرواح البشر والزج بهم إلى محارق الردى والموت الطريقة التي امتهنها بعض المشايخ والشخصيات الاجتماعية في اليمن مقابل مبالغ مالية تصل إلى 100الف ريال على كل فرد يتم إقناعه للالتحاق في صفوف الجماعة الحوثية ومن ثم نزع عوامل الحرية وممارسة الاذلال القاسي بحقهم، هذا اذا ما كتب لهم النجاة من نيران السلاح ولهيب المعارك.صدق فيهم جميعاً الشاعر حيث يقول:
مؤذنون الى السلطان قبلتهم ***وخائنون الى العدوان قد سبقوا

وجائعون كلاب البطن تنهشهم***وخائنون إذا ما استؤمنوا سرقوا

وفوضويون جاءتهم على طبق***فأحرقوها وفي نيرانها احترقوا