لم تعري الأحداث الأخيرة في سقطرى دويلة الإمارات العربية المتحدة فقط وإن كانت الفضيحة رسمية هذه مرة؛ فنواياها السيئة تجاه الأرض اليمنية ككل يعرفها الجميع بما فيهم البسطاء وعامة الناس، وهذا أمر مفرغ منه ولم يعد بمقدور إنسان يتمتع بقليل من العقل أن يخوض نقاش حول هذا الأمر.
هذه الأحداث استطاعت إسقاط أقنعة آخر من تبقى من أنصار ورموز القوى اليسارية في البلد؛ فبينما انشغل المجتمع بكل فئاته وأطيافه بمعركة مصيرية مع الإمارات، اتجه أبناء اليسار للحديث عن قضايا هامشية لأجل ازاحة سخط شعبي عارم تجاه قضية رأى فيها كل يمني معركة إثبات سيادة الدولة اليمنية ووجودها ولو بشكل هزيل.
يتحدث العالم عن محاصرة الإمارات لرئيس حكومة معترف بها عالميا في سقطرى، ووصول قوات إماراتية الى الجزيرة وسيطرتها على مطار الجزيرة ومينائها؛ وصديقنا القومي الذي شج رؤوسنا كثيرا بأحاديثه عن التحرر والقومية والاستقلال يتحدث زورا عن رفض أحد الوية الجيش الوطني تسليم مبنى في تعز، او عن تدخلات غيبية لقطر وتركيا في القضية اليمنية، وإن اقترب أحدهم من الحدث الأبرز عالميا فإنه يبرر للإمارات كل ممارساتها في أحسن الأحوال، لإن لم يقل ببجاحة منقطعة النظير: لا تهمنا جزيرة في المحيط الهندي.
هذا العار الذي تجلى فجأة استحق دون غيره أن استوقفني طويلا خلال الأيام القليلة الماضية، ودفعني للدخول عامدا في نقاشات حادة مع عدد من الزملاء المنتمين لتيارات يسارية، ممن كنت دوما أرى فيهم نموذجا مشرقا يجب على شباب القوى اليمينية الاقتداء بهم وحمل مبادئهم المتمثلة في الدعوة للتحرر ومناهضة الاستبداد بكافة أشكاله.
تنقلتُ بين العشرات منهم على صفحات التواصل الاجتماعي غير قادر على استيعاب الأمر،، فليس من السهولة أن ترى مثقفا ليبراليا خرج معك يوما ما يهتف للحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعية؛ يتعرى هكذا فجأة من كل المصطلحات البراقة تلك، ليسخر نفسه بوقا لدولة مثل الإمارات لا تمت لفكره ومرجعياته بصله، بل و تسعى لتجاوزه في نهاية المطاف كونه لا يشكل ثقلا اجتماعيا قادرا على تمرير شيء من أجندتها، ناهيك عن استطاعتها تسخيره لخدمة قوى اصولية راديكالية مصنفة على قوائم الإرهاب كجماعة ابو العباس في تعز!!
لم أجد تفسيرا لهذا السقوط المريع لنشطاء اليسار الا عدم الثقة بالنفس وحاجة اليساري الهزيل دوما الى قوى يمينية أو أيا كانت، الأهم أن يستطيع من خلالها أن يكون شيئا له ثقله، وإن كان الى جانب قوى رجعية ترى فيه التصوير حراما شرعا.. وإن كان الى جانب دولة تسعى لاحتلال ونهب كل البلاد، كل البلاد؛ كدويلة الساحل العماني "الإمارات العربية المتحدة".