الإنسانية الملغمة..
الجمعة, 07 ديسمبر, 2018 - 04:21 مساءً

لا جميلا لهذه الحرب التي دمرت كل شيء؛ إلا تدميرها لصورة العالم المتحكم بمصائر الشعوب الضعيفة.
 
العالم المتحضر الذي حدثنا كثيرا عن الإنسان وحقه في الحياة بحرية وكرامة وأمن وأمان..
 
العالم الذي يمرر إحدى يديه على رأس ضحية ما تضامنا معه، وباليد الأخرى يدس في جيبه قنبلة سيقتضي حال السياسة الضغط على زرها يوما ما..
 
العالم الذي لا يؤمن سوى بمصالحه، ولا يرى الإنسان إلا بعين تلك المصلحة..
 
العالم المتحضر الأنيق القوي الذي استمعنا إلى هرائه بإصغاء وانبهار، وذهبنا بكل براءة نردد خلف زعمائه ومسؤولي منظماته كل أحاديثهم.
 
العالم الذي لم نعتقد لوهلة بأن للإنسان في قوانين دوله و مواثيق وديبجات أممه المتحدة معايير لا تنطبق على إنسان ضعيف مظلوم وإن كان صاحب حق، لكنه خان ثقتنا وأثبت مالم نتوقع ليتجلى الإنسان وفقا لمفهومه؛ إنسانا مثقفا أنيقا بعينين زرقاوتين وشعر أشقر وأسنان بيضاء نظيفة.
 
إنسانا يحمل جنسية اوروبية او أمريكية، ولا يثير منظره -حيا أو ميتا- التقزز كما تفعل الصور المغبرة اليابسة القادمة من حيث نحن.
 
نعم.. لحسن الحظ ولسوئه؛ أفقنا بعد أربعة أعوام من الحرب على هذه الفاجعة، حيث لم تعد البدلة الزرقاء الأنيقة والطلعة الجامحة والمظهر الجاد لأحد زعماء الدول العظمى أو أحد مسؤولي المنظمات الدولية تستطيع مواراة سوءته، ولا إخفاء شيئا من زيف انسانيته ومتاجرته بقضايا الضعفاء ومعاناتهم.
 
أفقنا لنستحضر نماذج لأناس مثلنا لم يقدم لهم هذا العالم الذي يدير حربنا شيئا، بل رأيناه دوما ذاهبا نحو الإنسان الذي قصده لينتصر له وليؤمن له ما سَلَب من حقوق آخرين.
 
خذ مثالا يا صديقي:
 
فلسطين حيث العالم الحر والدول العظمى والمنظمات الدولية ومجلس الأمن الدولي، يرون الخطر كل الخطر في حجرة بيد شاب فلسطيني ولا يرون الف الف ميركافا وألف أف 35 و 200 رأس نووي بيد اسرائيل،، لا لشيء الا لأن الأول ليس الإنسان الذي يقصدونه بينما الثاني نعم، هو منهم !!.
 
الأمر ذاته في اليمن؛ باختلاف أن كل الأطراف هنا من ذات اللون والعرق الذي لا يهم العالم؛ ليستفيق أخيرا لا لإنقاذنا كما يدعي بل لإبقائنا داخل دوامة هذه الحرب -وباسم الإنسانية والسلام- يريد أن يتخذ منا لأربعين سنة قادمة وسيلة يجني بها مليارات الدولارات من جيوب جيراننا المتخمين..
 
توقف قليلا أمام هذه اللوحة لترى كيف تُدنّس كل القيم الجميلة والنبيلة؟!
يريد لنا العالم سلاما ملغما، سلاما يدفع نحوه بقوة أحلام أجيال ومصير أمة، مستخدما القلق والإنسانية كسلاح أكثر فتكا من كل أنواع أسلحته الأخرى، التي اتخذ منا طيلة أربعة أعوام حقلا لتجريبها !!.
 
أرأيت كم باتت الصورة كريهة ؟ كم هي مقيتة دموع العالم الكاذب خوفا علينا ؟
 
كم باتت أقدس المقدسات "الإنسانية" مشوهة إلى الحد الذي يجعلك تشكك بكل شيء وتتعامل بحذر وتوجس مع أبسط المشاعر !!..
 
لقد استطاعوا تدمير دواخلنا بهذا الشكل ؟
 
دمروا آخر ما نملك نحن الضعفاء الذين كنا نتألم لأننا نتألم لا لاعتبارات أخرى،، ونتضامن مع الحق لا مع أشياء أخرى.

*هذا المقال هو أحد المقالات المميزة من مسابقة ابداعية تنافسية في فيسبوك لأفضل النصوص التي تشخص الوضع في اليمن بفكرة مقترحة من الزميلة فكرية شحرة، وينشرها الموقع بوست بشكل حصري.
 

التعليقات