فَرَضَتْ الجائحة الحوثية الدامية اليوم على جُل الكتاب والمثقفين المهتمين بالشأن اليمني إعادة قراءة طاحونة تاريخ الحروب الدامية التي عاشها شمال شمال الوطن قرونا من الزمن ، تخللتها حروب ضد أبناء المناطق الجنوبية والساحلية، طاحونة حرب وضع حجر أساسها وأشعل فتيلها المقبور يحيى الرسي ومن تبعه من الأئمة منذ مقدمه إلى اليمن عام 284ه، فقتلوا اليمنين ببعضهم وغرسوا فسائل الحقد والطائفية بين أبناء قحطان وسبأ وحمير، كي يُضعِفوهم ويسودوا عليهم..
والمفارقة العجيبة أنه كيف اجتمع في شخصوصهم العلم والايمان والفقه والقتل وتخريب البيوت وهدم الآبار وقطع المزارع وإحالة دور العبادة إلى رماد وتحويل المؤسسات الصناعية والإدارية والمشافي التي تركها الأتراك عقب خروجهم من اليمن إلى اصطبلات لخيولهم ومساكن لهم ولذويهم؟ ورَدَ ذلك في رواية "يتيمة الأحزان" لحفيدتهم تقية بنت يحي حميد الدين حتى لا نتهم بالتجني عليهم، كتبهم طافحة بالأحداث التي كان قتل اليمنين فيها يُسطر بطولات وقطع رؤوسهم وإذلالهم نصر إلهي لهم مستحق.
كيف اجتمع كل ذلك عند أئمة الجهل والضلال والظلم؟ أطلقوا على أنفسهم علماء وهم يحملون السيوف والسُم والضغينة والحقد لليمنين وضدهم، وفقاً لدينٍ ومذهب جاءوا به، ولم يعرف مليار ونصف المليار من المسلمين تفسيره وتأويله إلا هم؟!
كتب الأستاذ خالد الرويشان في أحد منشوراته "جباية الخُمُس تغلق سيتي ماكس! وتم على إثره تشريد 1500 عامل وموظف يعولون 1500 أسرة"..
نعم ومتى كان للتاجر "رأس المال" اليمني أو المزارع أو العالم عندهم حُرمة أو احترام صنعاء تتجرع السُم القاتل ألواناً وصنوف أُغلقت المحال التجارية أفلست وهرب القادر منها إلى وجهات مختلفة، وباتت ساحة لاختطافات النساء والاطفال والشباب والزج بهم في السجون وإلى ساحات القتال باتت المدينة حزينة ترقب الخلاص على يد أبناء اليمن المتخندقين على مقربةً منها ينتظرون الإشارة في قمم الجبال.
صنعاء أحد عناوين اليمن التاريخية تتعرض للنهب والانتهاك بطريقة مختلفة عن سابقاتها..
عندما أراد الامام أحمد اقتحام صنعاء على إثر انقلاب 48 جمع أهل حجه وقسَّم عليهم الأموال وقال لهم ما تبقى "وفيتوه" من نهب بيوت صنعاء وانتهبوا بيوت أهلها حتى أبوب البيوت والنوافذ نعم فعلوها وبفتوى دينية ظالمة..كانت صنعاء تُنتَهب في كل حرب بفتاوى منهم وتستباح الحرمات فيها لدرجة سبي النساء والأطفال.
كحرب عبدالله بن حمزه وأخوه وقائد جيشه يحي بن حمزة التي سبى فيها 600 امرأة من نساء صنعاء في أواخر القرن السادس الهجري وقسمهن على مقاتليه في حربه مع الايوبيين بعد أن كفر أهلها واستحل الأموال والذراري والأنفس فيها كما ورد في كتاب العسجد المسبوك للخزرجي وغاية الاماني ليحي بن الحسين وسيرة عبدالله بن حمزة ذاته.
كلما تنفست صنعاء واكتست شيئاً من الألق هبَّت الإمامة لتجريدها من كل مقومات الحياة ويعلو الحزن وجهها حتى يشعر أهلها بالغربة في وطنهم من جديد ويبيت لسان حالهم قول الشهيد الزبيري:
ليس في الأرض للغريب سوى الدمع***ولا في السماء غير الأماني
وطني أنت نفحة الله ما تبرح*** لا عن قلبي ولا عن لساني
تعيش صنعاء عاصمة اليمنيين اليوم كعادتها أسيرةً حسيرةً وكسيرة، تتجرع مرارات الزمن المختلفة فهل سيصحو أبناؤها ومحيطها القبلي ويعيدوا النظر في استيعاب مبادئ جمهوريتهم وبلدهم وحريتهم وينحازوا إلى الصف اليمني كما ذكر الدكتور أحمد الصوفي السكرتير الصحفي للرئيس السابق صالح في أحد مقابلاته على قناة الشرعية، وترك بواقي عفن الهاشمية السياسية ونبذه من عقولهم وأنهم ليسوا عبيداً وعساكر لأحد، غير اليمن أرضاً وإنسانا.
وهل ستؤمن تلك القبائل بالخضوع لمبادئ الدولة العادلة والمساواة دون تمييز على أي أساس قبلي مناطقي عرقي أو طائفي؟. ومتى سيقرؤون قصيدة الزبير التي رثاهم بها وسماها "رثاء شعب"؟ ويستوعبوها قصيدة شاعر حر تستحق الحفظ من كل يمني أبيٌ حر ينوح في مطلعها قائلاً
ما كنتُ أحسِبُ أني سوفَ أبكيهِ***وأنّ شِعْري إلى الدنيا سينعيهِ
وأنني سوف أبقى بعد نكبتهِ حياً***أُمزّق روحي في مراثيــــــــه
إلى أن يقول:
ماذا دهى قحطان في لحظاتهـم***بـؤسٌ وفـي كلماتـهـم آلام؟
نبني لك الشرفَ العالي فتهدِمُه*** ونَسْحَقُ الصَّنَمَ الطاغي فتبْنيهِ
أبناء قحطـان عبيـدٌ بعـد مـا*** عبدتهـم الزعمـاء والحـكـام