كانت الطرق والعناصر الثقافية قديماً تلعب دور الدبلوماسية المعاصرة، تنمو وتتطور عادة بعيداً عن تخطيط الحكومات، بصفتها الرسمية اليوم، ترسخت عن طريق زواج التجار في البلدان التي كانت ترسو فيها سفنهم الشراعية، وتنتظر أشهرا حتى موسم هبوب الرياح الموسمية المعاكسة، كي يركبوها عودة إلى بلدانهم، كما حصل مع التجار اليمنيين الحضارم في ماليزيا، وغيرها من الدول، فكانوا سفراء ودبلوماسيين مثلوا بلدهم أفضل تمثيل، قبل نشوء العرف والقوانين الدولية الدبلوماسية.
وعبر السياحة والاستقرار، وتناوب واختلاط القوات التابعة للدول الاستعمارية في مستعمراتها المختلفة، فكانت مدعاة لاختلاط الأعراق الصورة الأقرب إلى الذهنية اليمنية ما خلفه الاستعمار البريطاني من تزاوج واختلاط في بعض المناطق الجنوبية، والخلافة العثمانية كذلك في الشمال.
كما لعبت الآداب، واللغات، والفنون المختلفة الدور الحيوي الأكبر فشكَّلت جسوراً من التلاقي والتواصل بين فنون وآداب الغرب والشرق والعالم العربي في الشرق الأوسط على وجه الخصوص، ولعبت تلك العناصر الثقافة دور الدبلوماسية ودور المقاربة والتعارف بين الشعوب والثقافات المختلفة فعبرت من بلد إلى بلد بغير إرادة الدول والشعوب ذاتها.
إلا أنها اكتسبت الصفة الرسمية حينما اندمجت في سياق برامج واستراتيجيات محددة تصب في خدمة المصالح الوطنية لبعض الدول العظمى في العصر الحديث، والتي تحمل أهدافا استراتيجية للسيطرة على الدول الصغرى أو القريبة منها فكرياً بداية، ومن ثم اقتصادياً وسياسياً وجغرافيا ومصادرة ما فوق الأرض وباطنها من ثروات واستحقاق الإنسان وحقوقه الانسانية.
فعبَرَت إلى عقول بقية الشعوب عن طريق ما بات يعرف بالقوى الناعمة المتمثلة بالعناصر الثقافية: آداب فنون – فلسفات - صناعة، كقوى بديلة عن القوى الصلبة أدوات الاستعمار القديم المتمثلة بالمدفع والدبابة، بشكل رسمي ومخطط في معظم الأحيان للسيطرة على ما تملكه الشعوب كما أسلفنا.
وأنشأت كثير من الدول ذات الأبعاد الاستراتيجية الدوائر الثقافية إلى جوار دوائرها الدبلوماسية بصفة رسميه في قلب وزارات خارجيتها، كي تمرر تأثيراتها الثقافية بالتوازي مع الطرق والقنوات الدبلوماسية لتحقيق أهدافها الاقتصادية والأمنية والسياسية وبنت القناطر والجسور مستغلة الثورة العلمية والتقنية القنوات فركبت الأثير عبر القنوات الفضائية عابرة الحدود الدولية دون إذن أو تراخيص من أحد.
وخصصت المليارات ومراكز الأبحاث الاستراتيجية لإعداد الخطط والأدوات لدراسة الظواهر الاجتماعية والفجوات التي تمكنها من اختراق العقول وتجيير مراكز إعداد المناهج الدراسية والتأثير على توجه صانعي القرار السياسي والدعاة الدينيين ومدرسي العلوم الشرعية كما هو حاصل في بعض الدول التي بدأت بكسر الحواجز وتلك والقيود.
كما كانت الدول تمنح الشعوب أثناء الحرب الباردة بين القوى الدولية مئات المنح الدراسية المدنية والعسكرية كصنيع الاتحاد السوفيتي مع الحكومات اليمنية مع جنوب اليمن وشماله قبل الوحدة، وصنيع والعراق وسوريا ومصر مع الشمال تحديداً.
فشكل خريجي تلك البعثات نواة الأحزاب والثورات التحررية والتغيرية في اليمن بدءاً بالثورات الأم 14 أكتوبر والتي كان أول نواتها الحركة القومية في اليمن بقيادة فيصل عبداللطيف و26 سبتمبر بقيادة علي عبد المغني والسلال والزبيري وتشكيل نواتها من الضباط الأحرار خريجي سوريا والعراق ومصر، عن طريق رواد حزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة مؤسسيه الأوائل علي يحي عقيل وآخرين في اليمن، والحركة الإسلامية بقيادة الزبيري، والزنداني ، والمخلافي، والفضيل الورتلاني، والماركسية بقيادة مؤسسيها يحي الشامي وجار الله عمر وآخرين في الشمال وأنيس حسن يحي، وعبدالفتاح اسماعيل وعبدالله باذيب وآخرين في الجنوب عام 1973م.
غير أن التأثير الثقافي والأيديولوجي الإيراني المركز والهادف لإعادة بسط الهيمنة والنفوذ التاريخي الفارسي القديم على المنطقة تجاوز كل الأعراف الدبلوماسية والثقافية السلمية المتعارف عليها بين الشعوب، مستغلةً الدين والتشيع والنحيب واللطم لتفعيل أحداث وصراعات سياسية بين أطراف صارت في ذمة الله واراها الثرى وصار صانعيها أسماء في سجلات التاريخ، تسخيفاً منهم للمعتقد واستغلالاً للدين فأفسدت الشعوب القريبة منها والبعيدة عن طريق غزوها من الداخل وتشويه معتقداتها وقيمها وإثارة الفوضى والرعب والارهاب فيها مستغلة طموحات طوائف وأقليات عرقية ومذهبية تقاطعت مصالحهم السياسية والاقتصادية فيها.
وعليه بات لزاماً على كل الشعوب العربية والإسلامية القريبة منها والبعيدة مواجهة ذلك المد المذهبي القومي الاستعماري الطاغي، وصار واجبا دينيا قوميا وأخلاقيا عن طريق تضافر كل الجهود العربية وتوحدها لأن الأطماع الفارسية باتت تهدد الوجود العربي وهويته ومعتقداته كلية دون استثناء وصبغه بلونه الأزرق الباهت، فأينما وجدت إيران وجد الخراب والدمار والدم فكان علامة فارقة تشير إليها وإلى جرائمها في المنطقة وما الأحوال المأساوية التي عصفت بالشعب العراقي الشقيق سابقاً وتعصف بالشعب السوري واليمني إلا دليل ناصع على ذلك وصريح.