أصبح تعاطي وسائل الإعلام و التواصل الاجتماعي مع فساد السفارات اليمنية في الخارج بالظاهرة الطبيعية و لم يعد يجدي تعرية ممارسات دبلوماسيها التعسفية و الغير أخلاقيه بل أصبحوا يمارسون الفساد بكل أريحية غير مكترثين بالقوانيين الدبلوماسية و لوائحها التنفيذية أو حتى بمشاعر الشعب اليمني المغلوب على أمره ، فقد تحولت البعثات الدبلوماسية و القنصلية الى أوكار فساد عائلية و إقطاعية.
ليس بغريب فشل وزارة الخارجية اليمنية و سفاراتها عن أداء المهام المناطة بها بل إن سياسة اليمن الخارجية أصبحت تدار بواسطة السفارات الأجنبية و المنظمات الدولية و يكاد دور وزارة الخارجية اليمنية يختفي او يكرر مواقف بلدان تلك السفارات في نشر البيانات و تبني المواقف و إن قورن نشاط مليشيات الحوثي على المستوى الدولي فإنه أفضل من تخبط وزاراة الخارجية و سفاراتها و يظهر ذلك جلياً من مواقف المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث التى حصرت الأزمة اليمنية بالتفاوض على تسليم إدارة ميناء الحديدة (غرب اليمن) او فرض حلول تتوافق عليها الدول الكبرى في مفاوضات جنيف القادمة.
إرث الماضي
كما يعلم الجميع أن النظام السياسي السابق أوكل مهمة التعيين و التوظيف في السلك الدبلوماسي الى أجهزة الأمن و الإستخبارات و ما ميز هذه المرحلة هو توريث الوظيفة في السلك الدبلوماسي لللأبناء و المقربين والمؤلفة قلوبهم من التابعين لمراكز النفوذ (سياسية ، عسكرية ، دينية و قبلية) و كان يمارس الفساد في السابق بطرق أنيقة نوعاً ما من خلال توظيف متعاقدين في وزارة الخارجية و في غضون فترة قصيرة يتحول المتعاقدين الى موظفيين إداريين ثم بقدرة قادر يرقوا الى دبلوماسيين ، الحقيقة المرة ان لجان التوظيف و التعيين كانت تمارس دور الكومبرس في مسرحية الفساد الممنهج و خير دليل على ذلك عند الإطلاع على قائمة بأسماء الدبلوماسيين تجدهم ينتمون الى عائلات إقطاعية محددة عينوا في السلك الدبلوماسي بطرق مخالفة للقانون لذا ليس من الغريب ان تكتشف ان سفير ما تم تعينه في احدى الدول كي يتمكن من علاج زوجته او قنصلاً عين في أحدى سفارتنا من أجل أن يتمكن من شراء منزل او ملحقا عين من أجل ان امه او ابوه سفير و يريد تحسين أوضاع أبنائه المعيشية.
أنتهج الرئيس عبدربه منصور هادي و حكوماته المتعاقبة نهج النظام السابق في تقسيم مؤسسات الدولة على ذات الأسس مناطقية و عائلية و حزبية منذ عام 2012 م لكن ما يميز مرحلة الرئيس هادي أنه فتح الباب على مصراعيه بتعيين أبناء الوزراء ، السفراء و زوجاتهم ، القادة العسكريين و أمناء الأحزاب السياسية و أتباعهم و مازال الرئيس هادي يمارس هوايته في تدمير بنية السلك الدبلوماسي والقنصلي الهش فأغلب قرارات التعيين تصدر لأناس ليس لهم علاقة بالدبلوماسية و منهم لا يحمل مؤهلات دراسية او حديثي التخرج و قد لعب عبدالملك المخلافي وزير الخارجية السابق دورا بارزا في تمرير قرارات التعيين.
كيف ينظر العالم الى بعثات اليمن الدبلوماسية و القنصلية
إن إستحداث المناصب في وزارة الخارجية و إصدار مئات قرارات التعيين ادى الى تكدس الدبلوماسين الغير مؤهلين في بعثاتنا الدبلوماسية و القنصلية في الخارج مما جعل دول العالم تنظر إلينا بالدولة الفاسدة و أن هادي و حكومته يريدون إستمرار الحرب في اليمن من أجل استمرار العبث بالمال العام . ناهيك ان النخب السياسية من قيادات الاحزاب و المنظمات أنكشفت حقيقتها و تبخرت شعاراتها التى طالما تغنت بأنها ضد توريث الوظيفة العامة لعقود و أصبحت شريكا في هذا الفساد من خلال تقاسم المناصب العامة دون وضع أي إعتبار للأنظمة و القوانيين.
يدرك المجتمع الدولي فشل الحكومة الشرعية و عدم قدرتها على مجابهة مليشيات الحوثي الإنقلابية بسبب غرقها في مستنقع الفساد و التكسب غير الشرعي. فمن المتعارف ان الدول تحرص على تعيين أكفى السفراء و الممثلين الدبلوماسيين في سفاراتها وفق معايير علمية دقيقة من أجل ضمان التمثيل الجيد و تنفيذ سياساتها الخارجية و تعزيز علاقاتها الدولية و لكن الكادر الدبلوماسي اليمني الحالي ضعيف و مهترئ إذ ترك إنطباع سيء عن اليمن بسبب سوء التمثيل الدبلوماسي في الدول التى يعمل بها.
إخفاقات وزير الخارجية خالد اليماني
لم يوقف وزير الخارجية خالد اليماني سيل قرارات التعيين و الفساد المستشري في وزارته و بعثاتها الدبلوماسية و القنصلية رغم انه من أبناء وزارة الخارجية مفضلاً السير على سياسة سلفه الفاسدة. لم يخدم الوزير اليماني القضية اليمنية في المحافل الدولية و تناولها بنوع من التسطيح و على سبيل المثال عند حضوره الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني في الـ 10 من يونيو 2018م ، عرضت الصين إستراتجيتها السياسية تجاه الدول العربية من منطلق مشروعها العملاق المعروف بأسم الحزام و الطريق من أجل تسهيل التجارة والاستثمار مع الدول المشاركة بهذا المشروع وصولاً الى بسط نفوذها الدولي.
اليمن لم توقع مذكرة تفاهم للشراكة في مبادرة الحزام و الطريق حتى الان رغم أهميتها السياسية و الاقتصادية و كان حضور وزير الخارجية اليمني بروتوكوليا فقط و التقى بنظيره الصيني على هامش أعمل المؤتمر أي لم تكن هناك جلسة مباحثات عمل ثنائية بين الوزيرين على عكس وفود الدول العربية المشاركة التى عقدت جلسات عمل و وقعت إتفاقيات تعاون ثنائية مع المسئوليين الصينيين على سبيل المثال وفد الصومال البحرين ..... الخ
لم يكن لدى الوزير اليماني جدول أعمال عند زيارته الصين رغم أن أبناء الجالية اليمنية في الصين يعانون من مشاكل بسبب تشديد السلطات الصينية على منحهم فيز الإقامة و التمديدات و إغلاق الحسابات المصرفية كان بمقدور الوزير اليماني طرح هذة النقاط على المسئوليين الصينيين باعتبار اليمن سوق رئيسي للمنتجات الصينية و حلها بكل سلاسة لكنه أتكئ على عشوائية السفير اليمني في الصين الذي لم يستطع حل مشاكل سفارته الداخلية.
لم تستطع وزارة الخارجية بلورة و تنفيذ سياسة اليمن الخارجية الى درجة لم تقدم نفسها كممثل شرعي يثق بها العالم; فهذا يستلزم إلغاء قرارات تعيين أبناء المسئولين و المتنفذين و إعادة تقييم الهيكل الدبلوماسي و القنصلي و فحص وثائق الملتحقين به منذ عقود حيث أن هناك ملفات مليئة بالوثائق المزورة.
إن اصلاح الخلل و تصحيحه ليس تعصباً مع احد او خدمة لأجندة خارجية كما يدعيه المفسدين و حملة المباخر و إنما محاولة لإرساء مدامك الدولة المدنية.