عاش الرئيس هادي النقائض كلها الرأسمالية والاشتراكية القبيلة والدولة الشمال والجنوب السلطة متعددة الأذرع والوجوه، السلطة والمعارضة واليوم يعيش نقائض الجنوب كله والشمال كله إرثاً من الصراعات المكبوتة والتي طفت على السطح فجأة، حتى بات مثقلاً بالهموم والمعضلات فضلاً عن ثِقل الشعارات المصطنعة التي أثقلت رواحله فوق ما هو مثقل. مرحلة عصيبة يمر بها الرجل متعددة الأوجه لم يمر بها في حياته وفي تاريخ مسيرته الطويلة منذ أن كان طالباً عسكرياً في بريطانيا أو مبتعثاً للدراسة العسكرية في روسيا أو نائباً لرئيس الجمهورية حوالي عقدين من الزمن.
كثرت الشعارات والعناوين التي تترأس المقالات.. هادي هو الحل!، وهادي البلسم الشافي، وهادي السيف الحميري الأصيل وهادي الفارس الذي أبى فرسه الجنوح، ومع الرئيس هادي نزرع اليوم ونحصد غداً، عناوين لا يرقى اليها حتى خيال الأبالسة، بات هو ذاته يخجل منها، لأنه ليس محلها أو محتواها، المرحلة لم تعد تحتمل الشعارات، وليس الزمان زمانها ومحلاً للنفاق وتصنُع المواقف والأدوار وكلُ شيءٍ صار مكشوفاً للعيان، وصارت روابينا ملعباً للنجوم الساقطة من كل مكان تقتات دِمانا وتسرح طامعةً في شواطئنا وترقص مثقلة السيقانٍ على مواجعنا.
تدهور الحال حتى الضمائر صارت فينا تُباع وتشترى وصارت الأقلام تقدح بعضها، والكُتَّاب تائهين يُخوِنون بعضهم البعض، خالد الرويشان نسخة للشخصية الجمهورية للسُلالي أسامه ساري، في نظر الغفوري، وصار خالد الآنسي لسان حال اليمن حوثياً في نظر خالد الرويشان المثقف الثائر وصار الجمهوري يحمل شعاراتها ويخونها سراً من خلال تماهيه مع الإمامة الراجعة كالرصاص المستَهلَك، وصار المقالح الذي كان من أوائل مذيعي الثورة وشعرائها تائهاً بين الروايات التي لم يعد لها في عمره متسع. تاهوا عن قضية استعادة الدولة والجمهورية وهزيمة المشروع الإيراني في اليمن، مع إيمانهم بأهميتها.
صرنا كما كانت بنو إسرائيل زمن التيه، نخدش وجوه بعضنا ونتربص ببعض وتأكل ألستنا أرواح وقلوب البعض الآخر فوق ما قد اكلتها عصابات الامامة، تفرقت أيادينا وخُطانا في زمن ضبابية الرؤية الذي صار فيه التوحد أدعى والتآخي ضرورة ولم الشمل بالضرورة واجب.
ومن المواجع أن مبعوثي الأمم المتحدة صاروا يرسمون خطوط مستقبلنا الذي يجهلون ماضية ومواجعه والجروف التي اختبأت الخطيئة التاريخية فيها، في زمن تكاثرت جراثيمها في مجتمعٍ توزع بين قاتل ومقتول خدمة لسيوف الإمامة التي لازالت تقطر من دمانا وتحتسي نجيع جراحنا، وتهدم دورنا وتحرق مزارعنا حتى الآبار والآثار لم تسلم من جنونها وغُثاء دعواها الباطلة، مع التأكيد أنه لا يمكن لأحد أن يرسم شيئاً خارج خياله ومكنون ذاته ويعبر عن همه ومستقبل أولاد غيره وقادم زمانه وأجياله كائناً من كان.
مبعوث أممي محمر الوجه ومنساب الشعر يأتي من خارج اللحظة والزمن والتاريخ اليمني المليء بالطيبة بالأصالة والمجد، ويحيك حبلاً متيناً لعصابة قرشية متوردة تدعي أنها أصل اليمن سكاناً وارض، وسلائل شماريخها اعتبرتهم أشتات أجناس قطنوها وحلوا أرضها، حبلاً به تشنق حقهم في حكم أنفسهم وإدارة مصادر قوتهم وكتابة تاريخهم وصياغة حياتهم بالشكل الذي يرغبون.
ذاك ما يحدث على الساحة اليمنية اليوم بعد ثورة الشباب السلمية التي غيرت مجرى التاريخ لأن كل حدث تاريخي تعقبه النوازل والمحن وتتكشف الأهواء ويعتري الهدف السامي التشوه ويُستهدف حاملي المبادئ صانعي الثورات وعشاق الكرامة، الذين بذلوا أنفسهم في كل فجٍ وتلٍ ومنحنى، ومزقوا أقنعة الظلم وأسقطوا خرافات الإمامة، وصنعوا التاريخ الذي بات لهم في الدنيا علامة، وحل محلهم الطالحون الذين باتوا يتوالدون مع كل إخفاق وتعثرٍ وشتات كان يعتري مسار الثورة والجمهورية الأم، كبؤر آسنة أخذت تتكاثر وتشكل عوائق أمام التطور والانتقال صوب الحداثة وبناء اليمن الجديد وأفسحنا للعصابات الانقلابية متسعاً في الطريق.