المظلومية الغائبة... مرحلة النزوح والمعاناة (2)
الأحد, 12 أغسطس, 2018 - 10:59 صباحاً

نقتات على الألم، نشكو مرارة العيش، نعاني من جفاء الأخ، نفترش الأرض ونلتحف السماء دون أن نزعج أحد، هكذا يقول أحدهم : "لِما نحن وحدنا نعيش  معاناتنا دون أن يكترث لها العالمين". في إشارة منه إلى ما يحدث لأبناء تهامة عند نزوحهم بسبب الغارات التي تقوم بها قوات التحالف، والتي تستهدف المدنيين والأطفال بالحديدة وكل القاطنين على الشريط الساحلي التابع لمنطقة تهامة.
 
ويضيف: لقد كنا نستقبل الناس من كافة البقاع،  نأويهم ونمنحهم نفس حقوقنا، بل ونعطيهم من أرضنا ليسكنوا فيها، لقد كنا نعطف كثيرًا علي هؤلاء الناس القادمين من كل مناطق اليمن، لم تطرد تهامة أحدًا. لم يقف على حدودها أحدٌ من أبنائها لشتم شخصٍ قادمٍ من أطراف سقطرى أو عدن.
 
ألم تكن تهامة ملاذًا للهاربين والخائفين بل وحتى للاجئين؟!  ألم نقل تعالوا إلينا ولكم ما لنا ولنا ما لكم؟! ألم نكن نمتلك صبر أيوب وسماحة يوسف، ها نحن الآن نقف على أبواب عدن ولا تُفتح لنا ، وندلف إلى صنعاء ولا نجد لنا الصديق ولا القريب.
 
 كنا نمنح الكثير من الناس ميناءنا مقابل مال لا نرى منه شيء؛ إنه القهر الذي طالنا من إخوتنا الذين احببناهم، الكثير من تجار اليوم هم فقراء الأمس بالحديدة، وحرض، وعبس، والقناوص، وبيت الفقيه،  والمخا، و ذو باب، والجراحي ، والدريهمي ، وخميس الواعظات، والزيدية وغيرها، هؤلاء التجار نسوا واجبهم تجاه أهلهم ،نسوا أبناء الحديدة الذين كانوا يحملون البضائع على ظهورهم إلى شاحنات نقلهم التجارية.
 
 هل سمعت عن تهامي حمل سلاحه ووقف على ثغور تهامة وأبوابها يمنع الهاربين إليها من دخولها؟! حتى من برد الشتاء كنا نأوي أبناء المناطق الجبلية وغيرها، كنا نمنحهم شتاءًا دافئًا ويتركونا مع بداية الصيف لحرارة الطقس، والآن هؤلاء لا يمنحونا حتى ما يقينا من جوع حاجتنا. هكذا كانت معادلة الوقت بين ما كان و بين ما هو حاصل في يومنا هذا.
 
أهكذا يعامل التهامي الذي لم يردّ يومًا شخصًا واحدًا من على أطراف مدينته ، ولم يحمل له عداوة، ولم يسئ إليه حتى في مواقع التواصل الاجتماعي ولا في وسائل الإعلام؟.
 
هذه لسان حال النازحين من أبناء تهامة وبالحرف الواحد يقول أحدهم : ثمة إخوة لنا على أبواب الجنوب "عدن" أغلق الباب في وجوههم وهم قليل من الأطفال والنساء والعجزة أرادوا أن يجدوا ما يأويهم هناك؛ فوجدوا الصد والمنع بل حتى القتل، هل ثمة نخوة لهؤلاء الناس الذين يشتركون مع تهامة في السحنة وحتى في الطيبة والتعامل؟ لكن الداخلين إليها ممن لا يحكمهم  دينً ولا عرف قادوا أمرها .
 
يا أبناء عدن خذوا على يد الظالم ولا تتركوه يتمادى كثيرًا في ظلمه وطغيانه، الأيام دول ولا يجب أن يُستقبل التهامي بقنبلة غادرة أو بمنع على أبواب مدينتكم. نحن إخوة لكم فكونوا لنا مثلما كنا لكم. القليل فقط منا اختاروا مصيرهم باتجاهكم فلا تردوهم خائبين، والكثير منا تفرقت بهم السبل في مناطق اليمن الكثيرة منها؛ صنعاء، إب، تعز، ريمة، المحويت، حجة، هكذا كان مصيرنا وهكذا استقبلتنا كل منطقة بما فيها، لا نريد منهم شيئًا سوى البقاء ونحن من سنبحث لنا عن لقمة عيشنا الكريمة.
 
تلك هي جزء بسيط من واقع معاناة أبناء تهامة من جراء الحرب الحاصلة في مناطقهم، يستهدفهم الطيران في كل يوم تقريبًا لا يمر يوم إلا ويسقط شهداء من الأطفال والنساء والرجال. يتعرض أبناء تهامة لقصف هستيري منذ بداية الحرب، حيث لم يؤمن بهذا الاستهداف الظالم الكثير من الناشطين إلا في مرحلة متأخرة. العدوان يستهدف أبناء تهامة حيث ما كانوا وحيث ما حلوا.
 
لم ننسى ما حصل في زبيد، والقناوص، وعبس، وبني قيس، وقبل أيام في بني حسن وحيران وغيرها من الأماكن،  تلك هي شواهد ملاحقة التٌهاميون في كل مكان، نزح الكثير منهم غادروا مناطقهم إلى أماكن  أخرى ولكنهم ضلوا يعانون من همجية القصف الهستيري  بعيدًا عن كل معاني الإنسانية والذي لا يمكن أن يقبله دينٌ سماوي ولا دستورٌ أخلاقي أو عرفٌ سائد. يعلم أبناء تهامة أن الأمر لم يكن على تلك الشاكلة؛ ولم يكن لهم أن يعيشوا ما عاشوه إلا في هذه الأيام القاسية بسبب الحصار الحاصل.
 
لم يُترك أبناء تهامة وشأنهم، ولم يجنوا مما يحدث خيراً يذكر ولا حتى ملامح عابرةٍ لسعادةٍ بسيطةٍ أو إنجاز . ماذا حقق التحالف في الحديدة غير الهزيمة المدوية التي نالت منه، والتي علم بها القاصي والداني؟  تكبد الكثير من الخسائر، لم يكن يستهدف "الحوثيون" حسب كلامه، إنما يستهدف تهامة ويستهدف أهلها يريد أن يُلحق الضرر الأكبر بأبناء تهامة يريد أن يطعن خنجره في قلب طفلنا الصغير في سوق السمك، يريد أن يزيل آثار حي الهنود بالحديدة، يريد أن يقطع ثدي أم طفلًا لم يكن له غير ذلك الثدي ليرضع منه، تلك هي حالة امرأةٍ  بمنطقة بني حيدان القريبة من تٌهامة جدًا؛ ثديها مقطوع حتى اللحظة يقطر منه الدم، ويحذر الأطباء من خياط جرحها بسبب السموم التي كانت تحملها تلك الشظية التي أصابتها.
 
 فشل التحالف في كل ما كان يصبوا إليه، فوجد التُهامي هو الهدف الوحيد له الذي يمكن أن ينال منه، بل وصار الآن يستهدف الأطفال في كل مكان، لم يكتفي بتهامة فقط، فمد يده أبعد من ذلك، ووصل إلى صعدة وإلى صنعاء وتعز وغيرها. وتعددت الأشكال بتعدد  الأحداث الحاصلة في هذا البلد.
 
هذه عينة بسيطة من واقع المعاناة التي يعيشها أبناء تهامة ويتعايشون معها يوميًا، المئات من المخيمات التابعة للنازحين تواجهك على امتداد الطريق الرابط بين حرض وصولًا إلى آخر نقطة في هذا الشريط الساحلي.
 
لن ينسى أبناء تهامة هذه الأيام، لن يتركوها تذهب أدراج الرياح، لن تُترك الأرض مبتلة بدم طفلٍ مات وهو جائع ينتظر قطرات الحليب من ثدي أمه الجائعة أصلًا.

التعليقات