في افتتاحية صحيفة البيان التابعة لحكومة دبي، الصادرة يوم الخميس الفائت، ورد ما يشبه التوضيح لموقف الإمارات حيال تفاقم خطر العناصر الإرهابية المتشددة التي تخوض مواجهات مسلحة ضد الجيش الوطني في تعز، وتستكمل ما عجز عن استكماله الحوثيون وقوات صالح على مدى ثلاثة أعوام في هذه المحافظة العتيدة.
استهلت الصحيفة افتتاحيتها بتأكيد أن الامارات "تقف ضد الإرهاب بكل أشكاله وفصائله، وهذا دأبها منذ البداية، ولا تفرق بين إرهاب وإرهاب آخر، فالتهديد واحد للأمن والسلام العربي والإقليمي والعالمي... ومن هذا المنطلق أخذت على عاتقها مسؤولية مكافحة الإرهاب هناك، والتصدي لتنظيم القاعدة في اليمن والقضاء عليه".
لكن الحقيقة ليست ما أرادت تسويقه هذه الصحفية، وغيرها من منظومة الإعلام الإماراتي الشمولي وأحادي الرأي. فالضبابية التي تكتنف موقف الإمارات وعلاقة التخادم الجلية بينها وبين هذا التنظيم الإرهابي على الأرض اليمنية، لم تعد خافيةً على أحد.
فقد تحولت كتائب ابي العباس بمدينة تعز إلى كابوس حقيقي لسكان المدينة، وملاذاً للقتلة المجرمين الذين اغتالوا خلال السنتين الماضيتين ما يربو عن 200 ضابط وجندي من الجيش الوطني، وناشطين سياسيين، في مهمة تتطابق مع لائحة الأهداف الإماراتية التي تضع على رأس أولوياتها تصفية قوى ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011، وهي النسخة اليمنية من الربيع العربي.
في الخامس عشر من هذا الشهر، بدأ الجيش الوطني بتعز في خوض معركة عسكرية شرسة لتطهير مدينة تعز من كتائب أبو العباس المصنفة هي وزعيمها ضمن قائمة الإرهاب الأمريكية، وهي الكتائب التي تؤوي القتلة الإرهابيين المطلوبين للعدالة.
نجح الجيش في تحقيق الجزء الأهم من أهدافه، لكن الإمارات سارعت للضغط على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لتشكيل لجنة رئاسية تهدف إلى إعادة تحديد مصير المواقع المحررة من الكتائب الإرهابية، والتأكد من أنها لن تؤول إلى سيطرة الجيش الوطني، وتهدف كذلك إلى حماية معقل الكتائب في المدينة القديمة من اقتحام كان الجيش يخطط للقيام به الخميس؛ لتطهير المدينة نهائياً من هذه العناصر الإرهابية.
عملية الجيش الوطني أثارت انزعاج الإمارات التي وجدت صعوبة في الدخول مباشرة على خط المواجهات، لكنها لم تفقد الحيلة لتقديم الدعم لكتائب أبو العباس الإرهابية.
ليس هناك مبالغة في توصيف العلاقة الوثيقة بين أبو ظبي وتنظيم القاعدة الإرهابي، ويكفي فقط أن نعود قليلاً إلى الوراء لإجلاء الحقيقة.
ففي الوقت الذي أبرمت فيه الرياض وأبو ظبي صفقتها مع الحوثيين في صنعاء لتقويض عملية الانتقال السياسي السلمية، بتشجيعهم على البدء بعملية عسكرية شاملة انطلقت من صعدة وانتهت في صنعاء وامتدت فيما بعد إلى عدن، كان تنظيم القاعدة، وعبر القيادات الوسطية من الحرس الجمهوري والمخابرات ووحدات الجيش والأمن المركزي والمخابرات في محافظة المكلا الموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح، ينفذون مراسم نقل السيطرة على مدينة المكلا ومديريات الساحل في محافظة حضرموت إلى تنظيم القاعدة، حيث أدار المحافظة لمدة عام كامل؛ بالاستعانة بالخبرات والكوادر المدنية والعسكرية والأمنية التابعة للنظام السابق.
ظل ميناء المكلا مفتوحاً أمام المناولات التجارية، يستوفي الرسوم الجمركية والضريبية، ويستخدم عائداتها في تشغيل إماراته في المكلا وتمويل احتياجات عناصره في بقية المحافظة الجنوبية من البلاد، لا ليشكلون ضغطاً أمنياً، بقدر ما يقومون بالدور ذاته من التخادم مع الأجهزة والأطراف الإقليمية النافذة في اليمن، بدليل أن هذا التنظيم لم يعترض شحنة واحدة من الوقود والأسلحة وأشكال الدعم اللوجستي التي كانت تمر عبر المناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيم في شبوة، وبالأخص في مديرية الصعيد التي ادعت الإمارات أن القوات المرتبطة بها وبدعم من جيشها استطاعت إخراج التنظيم منها، قبل أن تكشف تقارير صحفية موثقة أن خروج عناصر التنظيم كان ضمن صفقة تمت بعلم الولايات المتحدة.
وفي ربيع العام 2016، قرر التحالف إخراج عناصر تنظيم القاعدة من المكلا دون أن يخوض معركة عسكرية لتحقيق هذا الهدف، فقد كانت عملية تسليم واستلام انسحبت على أثرها عناصر التنظيم بهدوء وسلام من المكلا، كما دخلتها بهدوء وسلام قبل عام من ذلك التاريخ.
قرار استعادة المكلا حينها تم ضمن حزمة من التدابير الخطيرة جداً التي شملت فيما شملت بناء وتأهيل قوات محلية تابعة للإمارات ولا تخضع للسلطة الشرعية، وشملت كذلك إغلاق مرافق سيادية مثل مطار الريان، وتحويله إلى معتقل لخيرة كوادر المحافظة؛ التي لوحقت (الكوادر) بسبب انتماءاتها السياسية ومواقفها الإيجابية من السلطة الشرعية.
وفي عدن ترافقت الحملات الاستعراضية التي كان التحالف يسيرها إلى محافظة أبين المجاورة، مع نمو وتوسع نفوذ قوات الحزام الأمني المحلية التابعة للإمارات؛ التي تحولت إلى كابوس حقيقي في حياة سكان المحافظات الجنوبية، فقد استخدمت كقوات تقاتل بالوكالة، والأسوأ أن الإمارات استخدمت هذه القوات كأدوات قذرة في حملات المداهمات وفي إدارة المعتقلات السرية وأعمال التعذيب، والجريمة السياسية التي راح ضحيتها العشرات من القادة السياسيين والعسكريين والناشطين وأئمة المساجد والدعاة، وفي مداهمة وحرق مقرات الأحزاب.
لقد دفع اليمن ثمناً باهضاً طيلة السنوات السبع الماضية، نتيجة تآمر الإقليم عليه، وكانت أهم أدوات هذه المؤامرة؛ المؤتمر الشعبي العام، ومليشيا الحوثي الإرهابية وتنظيم القاعدة الإرهابي.
ولا تزال الإمارات تستغل مخاوف المجتمع الدولي من تنظيم القاعدة في مواصلة نشاطها التخريبي الذي يستهدف الدولة والشعب والجغرافيا، دونما اكتراث من ارتداد هذ العبث على أمن المنطقة برمتها.
* عن عربي21