قال المقبور يحي حميد الدين عندما حدثت المجاعة في أربعينيات القرن الماضي لبعض الوجهاء الذين طلبوا منه مساعدة الناس وتخفيف فرض الإتاوات المهلكة حتى على ساكني القبور، وإنقاذهم بصرف الطعام من مخازن الدولة الممتلئة بالغِلال، قال مقولته الشهيرة "من مات فهو شهيد ومن عاش فهو عتيق"!! حينها قال أحد الوجهاء مستهجناً الرد إذا كان "ابن حميد الدين مصدقًا بيوم القيامة فاقطعوا رقبتي بحذاء"
فهل يرجى من الصحراء ماءً ومن السحب الفارغة غيثاً ومزناً يا راكبي قطارهم والقافزين على قواربهم التي لا تحمل خارطة لطريق أو وجهة يبحرها غير إفقار الناس وإذلالهم..
وأن ترى الفئران تقفز من على ظهر السفينة عندما تشعر بالغرق فتلك حقيقة، عند شعور الحركات المتمردة أن زخمها يتلاشى ويذوب فتبدأ الفئران تنتحر قفزاً وهربا، وتلك ظاهرة موضوعية قد تحدث، غير أن رؤية الرائي لفئران تقفز إلى السفينة أثناء الغرق وهذا ما يصعب على العقل استيعابه وفهمه لأنه يخالف حقاً الحقيقة الشائعة.
ذاك ما حدث ويحدث لبعض المغرر بهم من أبناء القبائل في المناطق النائية من جَفَلَة الناس وعامتهم أسيري الحاجة يتبعونها غير مدركين لنتائج ما يفعلون وبسيطي الفهم لحقيقة ما يجري من حولهم ويدور، وتلك نتائج حتمية للجهل الذي كرسته الإمامة وعصاباتها عن طريق تعمُد تدمير المدارس ودور العلم والجامعات كي يكونوا مجرد مواد متحركة تحمل السلاح تقاتل معهم عمياء البصر والبصيرة.
ورد في كتاب ابن الأمير وعصره "صور من كفاح شعب اليمن" أن علماء الإمامة كانوا يستضلون تحت الأشجار وهم يخاطبون الفلاحين والرعايا من أتباعهم في العراء تحت الهجير، إن الله قد ابتلانا بالعلم فلا تتعلموا ولستم في حاجة إليه لكم الأجر في فلاحة الأرض والجهاد ولنا البلاء!!.
ذاك مدخلاً لحقيقة إطلاق مؤتمرات إعادة البناء وإعداد قادته للقيام بتلك المهمة من قبل الحركة الحوثية كجهة مشبوهة معلومٌ هدفها في الماضي والحاضر وفي قادم الزمان، والتي قد تكون تبييضاً لوجوههم المشوهة التي مارست القتل والهدم وتنظيفاً لأياديهم التي علقت بها دماء الأبرياء من كل طبقات المجتمع اليمني، وزجت بهم في أتون حرب لا هوادة فيها، وهم أنفسهم ليسوا تياراً وطنياً حقيقيا ونظيفا، صعدوا من أوساط معاناة الشعب كي يحمل همه ويعيدوا بناءه بعد أن استفرغت خزائنه وامتصت دماءه وسحقت عظامه وانثنت تدعو لِعزٍ واهم لليمن، في حربها وهم آفته وعِلته، وتحريره من رباق التبعية الخارجية والانقياد لها وهم سياطه وقيوده.
الأمر الذي لم يكن متوقعاً هو أن تصل الغفلة وينال تضليل الهاشمية السياسية الخارجة عن الشرع والقانون والمخالِفة للدستور وأبجديات الفهم التقني والعلمي، بعض طبقات المجتمع والمؤهلين المعوَّل عليهم صناعة التغير وإعادة بناء الوعي الثقافي والوطني والقانوني، الذي دمرته تلك الآلة الإمامية الحاقدة ورفع مشاعل التنوير وتنطلي عليهم الأباطيل وآيات الشعوذة والزيف، وقد لا يخامر الشك عقلاً بأن ما أصاب عامة المجتمع وجَفلَتهم الذين يرزحون تحت أيديهم قد أصابهم وركِبَهم هواهم كما ركبوه أولئك.
ومن الناحية العلمية فإنه لن تستطيع الأيادي التي أدمنت الهدم واتخذته منهجاً وسبيلاً لإرهاب الناس وإخضاعهم لسلطتها، إعادة البناء الذي لم تحمل ثقافته يوماً ولا نواياه عبر تاريخها المليء بالعنف والشتات والدمار، لأنها تدرك أن البناء والرخاء والتعليم والاستقرار عدواً سيكشف زيفها ويدحض حجتها في خرافات الولاية وحق السلالة الإلهي المزعوم في الحكم باطلاً وزورا.
ولوا استطاعوا أن يصنعوا حَدبةً في ظهر كل يمني يركبوها ويتسولون عليها لفعلوا، تحت ذرائع إعادة البناء والإغاثة الإنسانية ومحاربة الإرهاب واستلاب الخُمُس والدفاع عن الوطن لأنهم لم يحملوا هم عزه وراحته يوماً، واستغلالاً لطيبة اليمنيين وتعلقهم بالدين ارتكبوا في حقهم شعباً وإنساناً وأرضاً جرائم لا تضاهيها حروب أوروبا المذهبية في حرب الثلاثين عاماً.
فكانوا يستدعون المقاتلين من طبرستان لمحاربة القائل اليمنية كما فعل الناصر أحمد بن الإمام المهدي الذي خاض حرباً ضروساً ضد القبائل اليمنية الواقعة بين صعدة ونجران فكانوا يزدرون اليمنيين علانية، ويتناولون أعراضهم بالأذى والانتهاك ومُنيَّ في آخر حروبه بهزيمة قاسية على يد الأمير حسان آل يعفر فعاد إثرها إلى صعدة وقضى نحبه هناك، قصصٌ مؤلمة لم يقرأها ركاب قطار الحوثية والقافزين عليه ولو وعوها ما كنت أحسب أنهم سينساقون معهم ولو دفعت لهم القناطير المقنطرة من الذهب والفضة..