ربما كانت الخرافات الحوثية وبقايا حكم الأحفاد الفارسيين أو حكم الأبناء كما عُرف في عصور الخلافة الإسلامية التي ذهبت إلى تثبيتهم وتوطيد سلطتهم وإعطائهم صبغة شرعية جديدة باسم الإسلام، حتى تسللت الهادوية الرسّية من خارج الحدود إلى أقاصي الجبال اليمنية، وجاءت بخرافة الولاية وسلطان الوليّ المعين من الرب، افتئاتاً على الإسلام ومبادئه الذي جاء محرراً للخلق، لاسجاناً حاملاً للقيود، وعلى الإمام علي بن أبي طالب الذي لم يفهم حديث الغدير كما فهموه وأولوه بشأن الولاية، وقال عندما عُرضت عليه الولاية بعد مقتل عثمان:" دعوني والتمسوا غيري فأن أكون لكم وزيراً خيراً لكم من أن أكون أميراً " كما ورد في كتاب نهج البلاغة ج1 ص 181 - 182 شرح العلامة الشيعي الشريف المرتضى، طبعة بيروت.
قد تكون انطلت خرافات الهادوية العقدية على البعض في شمال الشمال، مستغلة فراغ التحاق قلب المجتمع اليمني من قيادات مجتمعية وعسكرية وفكرية بركب الفتوحات الإسلامية إبّان الخلافة الراشدة وعهود الدولة الأموية والعباسية، واستيطانهم في شتى بقاع الأرض دون عودة، وبقاء بسيطي الفهم والقدرة الذين اعتاصت عليهم حلول مشاكل الثارات والقَوَد بينهم، فاستجلبوا الهادي الرسّي من بلاد الديلم في أقصى بلاد فارس؛ ليغرس شجرة الموت في أرضهم يسقونها من دمائهم؛ فأنتجت خناجر أكلت أرواحهم ونامت في خواصر اليمنيين تدمي جنوبهم، وتُذيقهم صنوف الموت حتى الزمن الراهن.
غير أنها اليوم - أي الخرافة الحوثية سليلة الهادوية العقدية - تقف في مواجهة الشعب اليمني الحديث الذي عصرته الثورات وذاق معنى الحرية، وخرج على الدنيا طائفاً بقاع الأرض يشرب نخب العلم ويقطف ورود الثقافة، إلا من بقي في كنف الشيخ وأحضان الكهنوت؛ يرضع جهله ويلوك فتات السلطات المتعاقبة التي لم تغنه من فقر، أو تكسه من عُري، أو تعفّه عن ذل المسألة؛ حتى بات يقاتل معها موهوماً بها حتى اللحظة.
أرادت الهاشمية السياسية التي بتنا نستحي من افتراءاتها وجرأتها على تحريف مبادئ الدين وليّ أعناق العقيدة، في زمن بات للحيوانات حقوق وقوانين تحميها، ومشافي تعنى برعايتها؛ ناهيك عن الإنسان الذي تجاوز عصره إلى عوالم من الاكتشافات والحقوق لم تخطر على باله لو لم يلامسها بنفسه ويجتني ثمارها جيلاً بعد جيل.
أرادت الحوثية أن تعود بنا إلى عصور ما قبل الدولة عصر الأرواح والشياطين التي تحل جسد الحاكم وتمنحه القوة التي يدَّعي أنها تميزه عن غيره؛ فيحكم طائفته أو قبيلته بها، ومن ثم تنتقل تلك الأرواح إلى جسد خليفته من أسرته الأقربين، فتواصل الزيف والتسلط والدجل تحت (يافطات) تلك الخرافات؛ بهدف التسلط على رقاب العباد.
معاديةً كيان الدولة الحديثة بمفاهيمها العصرية القائمة على مناهج العلم الحديث، والقدرات المتصفة بالنزاهة والوطنية والولاء الوطني، والتي تفرض سيادتها على أراضيها، وتخدم شعبها على نحو عادل دون تمييز بين مكوناتها، والتي تعد أهم أداة اندماج مجتمعي تزداد أهميتها في المجتمعات المتنوعة وغير المندمجة مجتمعيا؛ بسبب تنوعها العرقي والقومي والديني والمذهبي الذي يريد الحوثيون السلاليون استغلاله وتحويله إلى سبب لإنشاء دويلتهم الطائفية، فإذا ما فشلوا في ذلك حاولوا دس خرافاتهم وفتاويهم المذهبية في القوانين السائدة للدولة؛ ليهيمنوا طائفيا على الجميع دون استثناء، ناهيك عن المجتمع اليمني الأصيل موحد العرق والدين والهوية والانتماء إلا ما شابه من شوائب الدهر وصروف الزمان.
والله إن الأمة باتت تستحي أمام العالم، من خرافات الحركات الدينية مختلفة الرايات والسيوف وأدوات القمع والقهر باسم الرب كما ورد في رواية "سبايا دولة الخلافة" التي كتبها الروائي العراقي: عبد الرضا صالح محمد، والتي تلخص ما أحدثته داعش في موصل العراق باستهدافها المسيحيين العرب بسبي وقتل وانتهاكات خارج كل الأطر الدينية والأخلاقية والإنسانية، وهو ما ضارعتها به الحركة الحوثية في اليمن باستهدافها لبقايا يهود اليمن ابتداء، ثم كل معارض لها من الأحزاب الدينية والقومية واليسارية انتهاء؛ حيث لم تؤمن مطلقًا بالتعددية من أي نوع.
حركات تحمل سُمّها بداخلها ما إن تظهر وتنتفش حتى تقتل نفسها؛ فتتلاشى وتختفي، ماتت داعش بكل خرافاتها وسيوفها ولحاها وعمائمها - صنيعة المخابرات الأجنبية - أو تكاد أن تموت، وستليها الحركة الحوثية التي تفنّنت في صناعة المقابر الجماعية المزخرفة بألوان الموت. وإنَّ غداً لناظره لقريب!.