أُفكّر هذه الليالي بـ "أشجان"
وأشجان هذه فنانة أفراح في عدن، هكذا تُحب أن تُقدّم نفسها حتى لو كان صوتها شبيهًا بقربةٍ مثقوبةٍ لا يكف صاحبها عن النفخ فيها، كان رقم هاتفها الجوّال عند الكثير لكنّ قليل من رآها، أغلب من يحكي عنها يروي عن آخرين، ظهورها نادرًا وخاطفًا مثل ظهور الجن والشهب والأولياء والصالحين، حتمًا هناك من شاهدها في تلك "المخدرة" أو تلك في "حوافي" عدن التي لك فيها كل متر قصة وفي كل خطوة سلامة، لقد اتفق الجميع أنّها ترتدي "درعًا" لامعة، وتضع ماكياج غامقًا، وتحرص أن تظهر غرّتها المكوية بعناية من تحت حجابٍ شفافٍ موضوعًا بإهمالٍ فوق الرأس المستدير، أشجان تنتمي إلى أدنى فئة في سلم التكوين الاجتماعي في اليمن.
تُهاتفها في أي وقت فترد عليك بذات الصوت المبحوح المتحمس: "ألو يا حبيب القلب" حتى لو كانت المتصلة أنثى، تطلبها للغناء فتطرح تساؤلًا لا يتغير : "القات حقي هلّه؟ الشيشة حقي هلّه؟ الآن أني واجية" (حصتي من القات موجودة؟ شيشتي موجودة؟ الآن أنا قادمة).
تُغلق السماعة، فتنتبه أنّها لم تأخذ العنوان، تتصل عليها فترد عليك بذات الحماس، تعطها العنوان فتكمله عنك، إنّ أهالي عدن يحفظون شوارعها أكثر مما يحفظون أسماء أبنائهم، وقبل أن تُنهي المكالمة تسألك مرة أخرى: " "القات حقي هلّه؟ الشيشة حقي هلّه؟ الآن أني واجية"، ولكنّ أشجان لا تأتي، رغم أنّها لا تكف عن الرد على مكالمات الزبائن متسائلة عن القات والشيشة وأنّها قادمة فقط "مسافة السكة".
أفكر هذه الليالي بأشجان وأضحك، أتساءل عن مكانها الآن بعد سنوات الحرب فأبكي.