حينما أقدم الرئيس عبد ربه منصور هادي على إقالة رئيس الوزراء مقترناً بإجراء التحقيق معه على خلفية فشله في إدارة الاقتصادي والكوارث، لم يكن يدر بخلده أن ثمة مفاجأة غير سارة بانتظاره بعد أن أكمل مهمة إرضاء الامارات بهذا القرار المتعسف والاستعلائي الذي ولَّدَ العديد من المخاوف حيال الأجندة الخفية لهذا الرئيس.
يتعين على الرئيس هادي اليوم أن يظهر كفاءته الرئاسية والقدر الكافي من الحزم والعزم وأن يظهر بالقدر نفسه مدى التزامه بأمانة المسؤولية الرئاسية الملقاة على عاتقه، إزاء جريمة الاغتيالات السياسية التي طالت العشرات من السياسيين والدعاة والمصلحين والقادة العسكريين والأمنيين في العاصمة السياسية المؤقتة عدن على مدى ثلاث سنوات، وتبين أنها كانت نتاج نشاط عمليات قذرة تديرها ابوظبي تحت إشراف ولي عهدها محمد بن زايد وأذرعه الأمنية ومنهم الفلسطيني المارق محمد دحلان.
على الرئيس فوراً أن يوجه بفتح تحقيق شامل عن الجرائم التي عصفت بعدن وغيرها من محافظات البلاد تأسيساً على المعطيات المهمة التي وفرها تقرير لموقع "بازفيد" الأمريكي متضمناً اعترافات لاثنين من قادة فريق القتل الميداني الذي عمل تحت إشراف المخابرات الإماراتية وشملت استهدافاً بالعبوات الناسفة لمقر الإصلاح في مدينة كريتر في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2015.
هذه العملية وغيرها من العمليات اعتمدت فيها ابوظبي على توظيف المرتزقة الدوليين والجريمة العابرة للحدود، في إيقاع العقاب الجماعي بأحزاب سياسية وبالتيار اليمني الواسع المناهض للدكتاتوريات والمطالب بالتغيير الديمقراطي السلمي.
خبأت الامارات مشروعها الجيوسياسي الخطير جداً والمتصادم مع الأجندة الوطنية لليمنيين، طيلة السنوات الماضية خلف الشعارات المتصلة بدورها المراوغ في مكافحة الإرهاب، ليتبين فيما بعد أن الامارات استعانت بالعناصر الإرهابية المحلية والدولية لتكريس واقع يتسم بالعنف وبالمناخ القمعي الذي لا يحتاجه اليمنيون بعد ثورتهم على هذا الإرث السيء من الدكتاتورية في بلادهم.
يتزامن الكشف عن هذه الجرائم فيما العالم منشغل بجريمة التصفية السياسية عبر القتل الغادر للمعارض السعودي والكاتب الصحفي البارز جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2018.
إنه تزامن مثالي للغاية فجريمة تصفية خاشقجي منسوجة على منوال الجرائم التي خطط لها ونفذها ولي عهد ابوظبي لاختبار طموحاته المتسمة بالغرور وللتجارب السياسية التي يجريها في هذا المسرح اليمني الكبير، بل هو فرصة لكشف منظومة الحكام المغامرين في الذين اعتلوا سنام السلطة في إقليمنا ونشروا كل هذا الخراب في بلداننا.
إن جريمة الاغتيالات التي حصدت العشرات هي من الخطورة بحيث ينصرف إليها المجتمع الدولي، لولا أن المصالح المرتبطة باليمن قليلة وليست كافية لتحفيز القوى الدولية لإظهار نسبة ولو ضئيلة من الاهتمام الذي أظهرته حيال حادثة اغتيال خاشقجي الإجرامية.
لكن المشكلة الأساسية ترتبط بالسلطة الشرعية التي يبدو أنها تحولت إلى مجرد أداة سهلة بيد تحالف بلا مبادئ ولا أخلاق، ويستهين بالدماء اليمنية أيما استهانة.
أستغرب هذا الصمت المستهجن من جانب التجمع اليمني للإصلاح، وأتفهم لماذا يضطر إلى إشاحة الوجه عن جريمة طاردته وطاردت أعضاءه واستهدفت وجوده طيلة السنوات الماضية، وكيف يفرط بهذه الفرصة الثمينة للقيام بالدفاع والهجوم المناسبين انتصاراً لقضيته العادلة التي هي جزء من قضية وطن يتعرض للقدر نفسه من الاستهداف والمؤامرة.
وأتساءل أيضاً: ما الذي يمكن أن يحاجج به المرتبطون بالمشروع الإماراتي دفاعاً عن جريمة الدولة التي تورطت ولا تزال تتورط فيها الامارات في اليمن، بعد هذه الأدلة التي جاءت من خارج الحدود وبشاهدة من نفذوا الجرائم تحت إشراف المخابرات الإماراتية وولي عهد ابوظبي شخصياً.
* نقلا عن صفحة الكاتب من الفيسبوك