يوم أمس السبت كنت أحد المتحدثين في ندوة أقامها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان: المستنقع اليمني: تكاليف باهظة وآفاق مسدودة. وكما هو واضح من العنوان، فإن الاهتمام بات ينصب على التكاليف الباهضة للحرب، ليس من زاوية وقعها على الطرف الأكثر تضرراً وهو الشعب اليمني، وإنما على السعودية والإمارات اللتين تخوضان حرباً شاملة في اليمن منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف.
ويفترض طرح كهذا أن النزيف الذي تعاني منه الماليتان السعودية والإماراتية بات مؤشراً مثالياً على وقوعهما في مستنقع خطير؛ البقاء فيه مكلف والخروج منه بأية طريقة مكلف أيضاً، خصوصاً في ظل الضغوط التي تبدو حقيقية هذه المرة من جانب الإدارة الأمريكية لإيقاف الحرب، مع التسليم ببقاء الحوثيين شريكاً أساسياً ضمن صيغة مكلفة من الناحية السياسية والاستراتيجية، وتقود بالضرورة اليمن إلى المجهول.
أكثر ما أحزنني في ما طُرح على طاولة النقاش بشأن اليمن، تلك الأفكار التي تتشعب كثيراً في تفاصيل الحرب من زاوية المؤثرين الخارجيين، والمعادل الداخلي الذي يمثله الحوثيون، فيما يغيب الشعب اليمني وسلطته الشرعية وقواه السياسية عن أي تأثير محتمل في معادلة الصراع، على نحو يتجاهل قدرة الشعب اليمني على قلب الطاولة في أية لحظة على الجميع.
بالتأكيد، انفجار الإرادة اليمنية في وجه المشاريع التي تتعاطى مع اليمن باعتباره اقطاعية عسكرية مغلقة للتحالف والحوثيين، لن تكون مصادفة، بل ستأتي نتاج تحول في المزاج الوطني على امتداد الساحة اليمنية، حيث بدأ اليأس يغلب على الأمل الذي عقده اليمنيون على تحالف دعم الشرعية، بعد أن تحول هذا التحالف إلى أخطر معاول هدم هذه الشرعية والدولة اليمنية.
لا يفتقد الطيف الوطني الذي يعبر عن نفسه اليوم في مناطق مختلفة، ابتداء من سقطرى مروراً بالمهرة وشبوه وانتهاء بتعز، إلى القيادة، فالقيادة موجودة، لكن لا نريد للحظة الانفجار هذه أن تتغذى من اليأس فقط، ومن الإرادة الصلبة في الدفاع عن الخيارات الوطنية لليمنيين مهما كانت التضحيات، بل نريدها أن تحظى بمصادفة تاريخية استثنائية في تاريخ هذه المنطقة، حيث يمكن لبعض دوله التي تتعرض لنفس الحالة العدائية التي يتعرض لها اليمن؛ أن تغطي الفجوة التي يحتاجها شعب يدافع عن خياراته في أسوأ ظروف العيش والحاجة، نريد مدداً شريفاً ونظيفاً ومنحازاً إلى حق الشعوب في الحياة والكرامة والسيادة.
وفي اعتقادي، فإن هذا بات ممكناً الآن، بعد أن تخلت الرياض وأبو ظبي عن هدف تمكين السلطة الشرعية، ومارست سياسات كرست عزلة اليمنيين وحصارهم، وضيقت الخناق عليهم، وعملت عمداً على تحويل اليمن إلى ساحة حرب بالوكالة، في إطار مواجهة تقوم على أسس طائفية وعرقية؛ ينضح بها الخطاب السياسي والإعلامي للتحالف، بحيث يبدو الأمر في اليمن على أنه صراع بين العرب والفرس، وبين السنة الشيعة.
وهذا المنحى الخطير في مسار الصراع صُمم بعناية بتأثير عاملين أساسيين أخذتهما الرياض ومعها أبو ظبي بعين الاعتبار:
الأول، يتعلق باستثمار المناخ العدائي الذي يسود الإدارة الأمريكية بزعامة ترامب تجاه إيران، وهذا المناخ يعكس الأولويات الإسرائيلية في سياسات ترامب وبصورة تتجاوز كل حسابات السياسة والاستراتيجيات.
أما الثاني، فيتعلق بالأهداف النهائية لحرب التحالف في اليمن، والتي تبتعد كثيراً عن أهداف اليمنيين وسلطتهم الشرعية والمتثملة في استعادة الدولة اليمنية، وإعادة إطلاق عملية سياسية تقود إلى صيغة اتحادية ديمقراطية تعددية لهذه الدولة.
فالتحالف يريد هنا أن يتحلل من التزاماته تجاه هذا الاستحقاق الأساسي الذي يترتب على تدخله العسكري في اليمن، ويعوضه بالانتصار المفترض على الشيعة والفرس، وهو انتصار لا يهم اليمنيين في المقال الأول، بقدر ما يبرر ذريعة خطيرة للاستمرار في تثبيت المخارج المضمرة لدى هذا التحالف، لا تهدف بالضرورة إلى استعادة الدولة بل تضعفها وتفككها، وهذا هو أسوأ، ليس فقط لليمن بل لجيرانه على حد سواء. فالحرب لا يمكن أن تحرق اليمنين وحدهم، بل ستمتد لتلتهم جيرانهم أيضاً مهما اعتقدوا أن لديهم وسائل يمكن أن تساعدهم في إطفاء الحريق متى ما نشب بأرضهم.
* عن عربي21