لهيب اليمن وصقيع الجراح البريطاني
الأحد, 09 ديسمبر, 2018 - 10:43 صباحاً

لم تكن مهمة المبعوثَين الأمميين السابقين إلى اليمن، الموريتاني اسماعيل ولد الشيخ أحمد والمغربي جمال بن عمر، سهلة على أي نحو يمنح خَلَفهما، البريطاني مارتن غريفيث، فضيلة الشك في أنه سوف ينجز ما عجز سلفاه عن تحقيقه طوال ستّ سنوات ونيف من الوساطة الدولية بين أطراف النزاع في اليمن. إنه، هذه الأيام، في العاصمة السويدية ستوكهولم، يستلهم المناخ السكندنافي لكي يسلّح أعصابه بما يلزم من برود ضروري، رغم المفارقة الصارخة بين لهيب اليمن وصقيع الفايكنغ؛ ولا حرج على بعض محاوريه، في الصفّ الحكومي والصفّ الحوثي معاً، أن يستلهموا بدورهم تلك الاستعارة ذائعة الصيت من الراحل صلاح جاهين: عنده برود أعصاب، اسم الله، ولا جرّاح بريطاني!
 
 
ستّ قضايا، شائكة معقدة، في أمسّ الحاجة إلى حلول عاجلة، يدور بها غريفيث بين فريقين وفدا إلى ستوكهولم للتفاوض (من حيث الشكل وإعلان النوايا)، وهما على يقين شبه مؤكد أنّ الجولة هذه لاحقة بأخواتها السابقات (من حيث المحتوى والنتائج): إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين والمحتجزين من الجانبين، ووقف الأعمال القتالية في الحديدة مقابل إذعان الحوثيين لطلب تسليم ميناء المدينة، وفك الحصار الذي يفرضه الحوثيون على مدينة تعز، وتوحيد المصرف المركزي اليمني المنشطر بين رأس في صنعاء وأقدام في عدن، وإعادة فتح مطار صنعاء تحت شرط تفتيش الرحلات في مطار عدن الذي يتوجب أن يصبح هو السيادي الرئيسي، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق البلاد كافة.
 
 
إلحاح هذه القضايا الستّ لا يعني، البتة، أنها قابلة للتمتع بأي مقدار من المرونة على طرفَيْ التفاوض، خاصة وأنّ كتلة التنازلات الأكبر تقع على كاهل الفريق الحوثي، ولا تلوح في الأفق مؤشرات كافية تفيد بأنّ “أنصار الله” على استعداد للانحناء؛ فلا جديد يجبرهم على ذلك، وما خلا جبهة الحديدة فإنهم في حال عسكرية مقبولة أو حتى متفوقة. هذا إذا وضع المرء جانباً حقيقة أنّ القرار التفاوضي، في هذه أو تلك من القضايا الستّ، ليس تماماً في يد المفاوض الحكومي (ثمة الرياض أوّلاً وثانياً وعاشراً!)؛ ولا المفاوض الحوثي (وثمة، هنا، ما بعد بعد طهران، إذا جاز استخدام تعبير حسن نصر الله الشهير).
 
 
أكثر من هذا وذاك، كيف لا تجثم على طاولة المفاوضات، مثل صخرة ثقيلة، حقيقة وصول المشروع العسكري السعودي في اليمن إلى عائق استعصاء جديد لم يكن في حسبان مهندس المغامرة الأول، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ مع اتضاح جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول، وتوجيه أصابع الاتهام إلى الأمير، الآمر الأوّل في الطور الراهن من تاريخ المملكة؟ ذلك لأن الثمن الذي تحتاج إليه واشنطن ولندن من أجل تجميل وجه الأمير القاتل وغسل يديه الملوثتين بالدماء، لن يخرج إلا من مشكاة واحدة هي بلوغ تسوية سلمية في اليمن. وما دامت إدارات البيت الأبيض المتعاقبة، وليس إدارة دونالد ترامب وحدها، قد قبلت التفاوض المباشر أو غير المباشر مع الطالبان في أفغانستان؛ فمَن يكون بن سلمان لكي يأبى التعاطي مع الحوثيين، أبناء البلد في نهاية المطاف! وكيف تُنسى حقيقة أنّ صعود الحوثيين إلى هذه السدّة العالية لم يتحقق إلا بترخيص من الرياض نفسها، أيام هواجس الملك عبد الله بن عبد العزيز إزاء إسلاميي اليمن وربيع صنعاء، في آن معاً؟ وذاك الذي فتح مخازن الجيش اليمني أمام “أنصار الله”، ألم يكن علي عبد الله صالح، من مقام استضافته في المملكة معززاً مكرّماً؟
 
 
ولكن، في المقابل، وإذا لم يتنازل طرفا التفاوض بالتساوي والتراضي، كفريقين يمنيين ضمن نزاع لا يعود إلى سنة 2015 بل إلى سنة 1992 على الأقلّ (إذا تسامح المرء مع جذور النزاع المذهبي الزيدي ــ الشافعي)؛ فمَن يكون هذا “الجرّاح البريطاني”، غريفيث، لكي يجترح معجزة عجز عن تلمّس أطرافها اثنان من العرب، أبناء عمومة اليمانيين؟

*عن القدس العربي 

التعليقات