ما إن انتهى المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، من إنجاز حفلة استكهولم، حتى حمل ما يسمى "اتفاق السويد" إلى مجلس الأمن، مرفقاً بمسودة قرار من المقرر أن يمثل الصيغة المطورة من مشروع القرار الذي أخفقت بريطانيا في اعتماده قبل عدة أسابيع عبر مجلس الامن؛ بسبب اعتراض الولايات المتحدة.
الأمور تبدو أكثر وضوحاً الآن، فما كنا نحذر منه، بات واقعاً ومؤثراً بشكل عميق في الإجراءات التي يسعى من خلالها المجتمع الدولي لإنهاء الصراع في اليمن.
هذا التوجه لم يعد يكترث بكل قرارات مجلس الأمن، تأسيساً على ما تم إنجازه في السويد، حيث أمكن التوصل إلى اتفاق لم يوقع عليه الطرفان، بل أملته الأمم المتحدة مستندة إلى ضغط أمريكي مُورس عبر الرياض وأبو ظبي، في محاولة لتهدئة الثورة التي تعتمل في الكونجرس الأمريكي على خلفية قضيتين أساسيتين ترتبطان بالسياسات الكارثية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهما قضية مقتل خاشقجي، والحرب في اليمن.
أُسقط هذا الاتفاق على ساحة المشاورات في استكهولم، على نحو ظهر معه الوفدان أنهما لا يملكان من أمرهما شيئاً، ولم يكن أمامها من خيار سوى القبول بهذا الاتفاق، بفعل تعرضهما المتزامن لضغوط من مصادر التأثير الإقليمية والدولية التي يرتبط بهما الوفدان.
لم تكن إذاً مهارات التشاور هي التي رجحت كفة الحوثيين على الوفد الحكومي، فكل ما في الأمر أن الحوثيين يستفيدون مرة أخرى ومتكررة من التناقضات التي تنشأ على خط المؤامرة الإقليمية والدولية الطويلة الأمد التي استهدفت، ولا تزال تستهدف الشعب اليمني وثورته ونزوعه إلى التغيير، ورغبته الملحّة في إنجاز نموذج ديمقراطي ناجح ومتميز للحكم في المنطقة.
في الجلسة التي عقدها مجلس الأمن يوم الجمعة، أظهر أعضاء المجلس بمستويات متفاوتة حماساً نحو استصدار قرار يهدف إلى حماية مهمة بعثة المراقبة الدولية التي كلفت بالإشراف والتنسيق لإنجاز اتفاق الحديدة، والتي ستُعهد قيادتُها إلى ضابط هولندي عمل مراراً في مهمات مماثلة تابعة للأمم المتحدة، هو الميجور جنرال باتريك كامييرت.
قرار كهذا يعني أننا أمام مرحلة جديدة وشديدة الخطورة؛ تقوم على مبدأ تساوي المتصارعين من حيث مشروعية الوجود وحق التأثير في مصير اليمن.
لقد تجاهل أعضاء مجلس الأمن تماماً القرارات التي أصدروها بشأن اليمن، وثلاثة منها على الأقل تحت الفصل السابع، وكان آخرها القرار رقم 2216؛ لأنها ببساطة كانت تهدف إلى إنهاء تأثير الانقلاب الذي قام به الحوثيون بالتضامن الكامل مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، الذي كان حينها لا يزال يتحكم بمؤسستي الجيش والأمن، وبشبكة واسعة من العلاقات الاجتماعية والجهوية؛ عبر الإطار الكبير الذي يمثله حزب المؤتمر الشعبي العام.
في الواقع، لم يكن أي من الأطراف الدولية يرغب في إخراج الحوثيين من المعادلة السياسية، وقد كان دور الحوثيين حتى فترة قريبة محل اتفاق كامل بين هذه الأطراف، والتي استفادت من حماس الرياض وأبو ظبي لإنهاء الربيع العربي بأي ثمن؛ ليس فقط في اليمن، بل في كل بلدان الربيع العربي الأخرى.
نحن الآن على مشارف هزيمة مهذبة للتحالف على الساحة اليمنية، شاء ذلك أم لم يشأ، فالرياض وأبو ظبي تبدوان أكثر حماساً وتصفيقاً لما يسميانه اتفاق السويد، مستندتين إلى التخريجة المثيرة للشفقة التي وفرها وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، الذي يعتبر أن قبول الحوثيين بالاتفاق جاء حصيلة الضغط العسكري الذي مارسته بلاده على وجه الخصوص في الحديدة.
هذا الحماس يخفي المأزق الذي يعيشه هذان البلدان، نتيجة التطورات الخطيرة التي تستهدف النفوذ السعودي في واشنطن، ومعه التفويض الذي كانت المملكة قد حصلت عليه من ترامب لمواصلة حربها في اليمن، وفق السيناريو التدميري الذي اعتمدته مع أبو ظبي.
واستناداً إلى اتفاق السويد، فإن السلطة الشرعية التي يدعي السعوديون والإماراتيون أنهم يدعمونها؛ خرجت تماماً من محافظة الحديدة وموانئها، فلا تأثير لها مطلقاً بعد هذا الاتفاق. ولست أدري كيف سيتم التعامل مع محافظ الحديدة المعين من الرئيس هادي، بعد أن أفقده الاتفاق صلاحياته كاملة في الأجزاء الأكثر أهمية في هذه المحافظة.
الأمم المتحدة باتت طرفاً ثالثاً له حق التحكم بالقوة المستخدمة على الأرض اليمنية، عبر قوات لحفظ السلام. وهذا يعني أن الساحة اليمنية باتت مفتوحة لتدخل الأطراف الدولية، من الثغرة التي فتحها اتفاق السويد، ولكل طرف دولي ما يكفي من المبررات، للإقدام على هذه الخطوة.
هذا يعني أن احتكار الجغرافيا اليمنية من جانب التحالف السعودي الإماراتي، لم يعد ممكنا في ظل التطورات الجديدة، ولا يملك هذان البلدان أي مبرر استراتيجي أو أخلاقي لإقناع المجتمع الدولي بمنحهما المزيد من الوقت لمواصلة العبث الذي نراه على الساحة اليمنية.
* عن عربي 21