ما أن وصلَ رئيس لجنة الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار بمحافظة الحُــديدة غرب اليمن الجنرال الهولندي “باتريك كيمرت” الى وسط مدينة الحُـديدة ظهيرة الإثنين24 ديسمبر الجاري حتى خمدتْ الاشتباكات العسكرية في تخوم المدينة – على قلة هذه الاشتباكات ومحدودية نيرانها مساحتها الجغرافيةــ مما يعني أن طرفيّ النزاع قد أدركا أن الصولجان الدولي أصبح فوق الرؤوس ويصعب مقاومته وأن مخزون الأكاذيب والتضليل الإعلامي قد نفذَ، و باتَ الطرفان أمام أمرٌ واقع يتشكل سريعا وبوتيرة عالية، يسلما فيه بضرورة التقيد بوقف إطلاق النار إنفاذا لاتفاق مشاورات السويد، وإلّا سيكونان في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي في حال خرق أحدهما قرار وقف النار بعد أن أصبح اتفاق السويد اتفاقا دوليا بمجرد أن زكاه مجلس الأمن بقراره الأخير 2451.
وبعد أن صار الفريق الدولي يجحظ بعينه على الأرض ، وسيشرَع باليومين القادمين بنشر مرقبيه على عدة أماكن ومبانٍ بالمدينة وخارجها ،مما يعني بالضرورة أيضاً أن هذا الفريق- فوق أنه قد صار مراقبا مباشر بالأرض- فأن وجود عناصره ولو بطريقة غير مباشرة قد صارت كدروع بشرية تحمي قرارات السويد،يكون من الحماقة والانتحار استهدافهم، وبالتالي فنحن إزاء تكريساً وفرضاً أممياً لوضع جديد على الأرض تصمتْ أمامه البندقية، وتتوقف فيه قنابل الــــ F.15 من التساقط، وبداية وقف النار وانهاء الحرب بشكل شامل، ليس فقط بالحُــديدة وفي تعز بل في عموم اليمن بقادم الإيام، كما سيمثل هذا الوضع بالمحصلة النهائية فشلاً ذريعاً لفرض المشاريع السياسية والنوايا التوسعية بقوة الحديد والنار باليمن.
وإزاء هكذا تغيرات تتدحرج معها كل الأهداف المعلنة والغير معلنة، ومستجدات تتوالي بطريقة شبه دراماتيكية على مجريات أمور هذه الحرب لم يجد السفير السعودي باليمن آلــ جابر بدٌ من خفض سقف مستوى تنفيذ أهداف هذه الحرب، وجعلها تنفيذ ضرب من التمني بعد أن مسخت معظمها وتقــزّمت بعضها وتراجعتْ القهقرى،.حيث قال السفير في مقالة له نشرت في صحيفة” ذا وول سرتيت” الأمريكية الأحد الماضي أن الحرب التي تقودها بلاده باليمن استهدفت استعادة اليمن ووحدتها واستقلالها وسيادتها واستقرارها في ظل حكومة شرعية معترف بها دوليًا يمكن أن تخدم الشعب اليمني، مضيفاً أن دور بلاده ودول التحالف العسكري بهذه الحرب قد شكل دافعًا أساسيًا “للميليشيات الحوثية ” للرغبة في التفاوض والجلوس على طاولة المشاورات وأن لولا هذه الحرب لكانت اليمن قد اصبحت دولة فاشلة و مقسمة بين الحوثيين وتنظيم القاعدة الإرهابيين- بحسب آل جابر-. وأن المملكة تنفق المليارات من أجل الإغاثة باليمن وإعادة الإعمار هناك.
حسنا… فعطفاً على ما تفضّل به سعادة السفير من كلام- يصعب تصديق معظمه- سنضع أمامه جُـملة من التساؤلات الحائرة التي نشاهدها كل يوم في عيون العامة من الناس المسحوقة تحت جنازير حرب مدمر أتت على الشجر والحجر والبشر في اليمن:
فأن كان اليمن اليوم بحالتها المتهالكة وبوضعها الاقتصادي الموحش الذي وصلتْ البلاد بسببه الى مشارف المجاعة بحسب تقارير دولية وليس فقط بحسب ما نشاهدها بأعيننا على الواقع وليس فقط بحسب التقارير الدولية التي تُـنشر بشكل شبه يومي ، وأن كان هذا هو نسيجها الاجتماعي والسياسي الممزق ، ووضعها الصحي المريع الذي تفتك فيه كل أنواع الأمراض واشدها فتاكا، فأن لم يكن هذا هو الفشل بعينه فكيف هو الفشل إذن؟؟. وأن كانت الجماعات الإرهابية المتطرفة تصول وتجول في كل الأرجاء – في الجنوب على الأقل- بمختلف أنواع الأسلحة وفي حماية التحالف ذات، الذي يسمنها بالسلاح والمال، لمواجهة من تسمونهم بالروافض المجوس، فعن أي دور لكم بمحاربتها؟ فكيف يحارب المرء نفسه ويقاتل شريكه وذراعه الايمن وعضده الوثيق؟.
وأن كانت السيادة اليمنية المنتهكة جوا وبرا وبحرا، والقرار السياسي اليمني بيدكم شخصيا وبيد حكومتك المبجلة وبيد ملكييكم وأميركم المفدى بل ووضع المسئولين اليمينيين الموالين لكم بمن فيهم رئيس الدولة تحت الاقامة الجبرية بذريعة الحفاظ على حياتهم ورجاله المتهالكون على فتات موائدكم العامرة يقبعون بغرف مُـراقبة بفنادقكم الوثيرة وتحت المجهر كأسرى- مع فارق أنه لا توجد هنالك أية جهة ترغب بالإفراج عنهم ومبادلتهم بأسرى فعليين- فعن أية سيادة يمنية تتحدثون عن حرصكم عليها بالله عليك، فماذا أبقيتم لليمن من سيادة؟ بل ماذا أبقيتم لها من أرض غير مستباحة ومن ثروات غير منهوبة ومن موانئ ومدن وجُــزر ومنافذ ومطارات غير منتهكة وغير مسيطرة عليها لتمرير أهدافكم التوسعية وتنفيذ أطماعكم التاريخية ذات المغزى الاقتصادي والسياسي والهوية وتاريخ وجغرافيا اليمنية، وبعضها -أي الموانئ والمنافذ والجزر المطارات – معطلة عن عمد والبعض الثالث يتم الاستحواذ عليه فعليا على قدمٍ وساق من محافظة المهرة ميناءها البحري والجوي شرقا الى الساحل الغربي مرورا بالمكلا و ارخبيل سوقطرة ومينائي: بلحافوعدن,ومضيق باب المندب الاستراتيجي، وعن أي سيادة يمنية تتحدث سعادتك وأنتم تتعاملون مع المسولين اليمنيين الموالين لكم كبيادق على رقعة شطرنج، وتصريحاتهم وبيانتهم بل وقرارات التعيينات بالمناصب بما فيها المناصب المحلية الصغيرة بالمحافظات لا يمكن لها أن تُــمر إلّا بعد فلترتها بالرياض على يد الرقيب السياسي السعودي؟؟.
ثمَّ عن أي مليارات من الدولارات تتحدث وعن أي إعمار تقصد سيادتك؟؟،فأن كنت تقصد إعمار سورية بمليارات الدولارات من الخزانة السعودية بدلاً عن الخزانة الأمريكية كما نصت توجيهات الرئيس الأمريكي ترامب لكم مساء الاثنين فأنتَ بالتأكيد صادقا فيما تقوله، وأن كنتَ تقصد إعمار اليمن فأننا لم نر حجرا واحدا تُــرفع من ركام الأنقاض في عدن وفي عموم اليمن المدمر فأنت قطعا تطلق دعابة سمجة.!