هل ينجح الرئيس هادي في معركة البرلمان؟
الأحد, 30 ديسمبر, 2018 - 09:04 مساءً

حتى هذه اللحظة لا تزال سلطة الأمر الواقع في صنعاء، التي يهيمن عليها الحوثيون، تحتفظ (ولو بصورة رمزية) بالسلطة التشريعية (البرلمان)، التي تعد عمود النظام الانتقالي وصاحبة الثقل الأهم في التأثير على مجريات المرحلة الانتقالية المستمرة منذ ستة أعوام، أي منذ انتخاب الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيساً توافقياً للبلاد في 21 شباط/ فبراير 2012.
 
لذا، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه الرئيس هادي، يتمثل في قدرته على استعادة السلطة الشرعية من الحوثيين. وعلى ما يبدو، فإنه قد قارب بالفعل على تحقيق هذا الهدف.
 
لكن هذا الإنجاز لا يتعلق بالحنكة السياسية للرئيس، بل الأخطاء الكارثية التي وقع فيها خصومه في صنعاء، بعدما استثمروا كثيراً في أخطائه التي لا تحصى ولا تعد.
 
فجولة الاقتتال الخاطفة والرهيبة التي دارت بداية كانون الأول/ يناير 2017 في صنعاء، بين الرئيس السابق علي عبد الله صالح مع من تبقى له من قوات وحراس شخصيين وبضعة مواليين، وبين جماعة الحوثي التي سيطرت على مقدرات الدولة بدعم كبير من صالح نفسه، تلك الجولة التي أفضت إلى إخراج صالح نهائياً من المشهد، مع ما استتبع ذلك من انحسار لنفوذه السياسي، إن عبر أبنائه أو حزبه الذي مزق شر ممزق.
 
المال السعودي اليوم هو الذي يؤمن تآلف الكتلة البرلمانية لحزب المؤتمر الشعبي العام الممزق، تحت مظلة الشرعية من جديد، لكن دون توفر نوايا حسنة من جانب الرياض وابوظبي في وضع هذه الكتلة تحت تصرف الرئيس، وتحويلها إلى ورقة سياسية ثمينة وقوية بيده. وثمة ما يشير في سلوك الكتلة إلى محاولة صريحة للتحرر من هيمنة الرئيس وأجندته.
 
المغناطيس السياسي الذي يجمع الكتل البرلمانية المتنافرة تحت مظلة الشرعية والنفوذ السعودي الإماراتي؛ يتجلى في الكراهية المشتركة للحوثيين، والرغبة الملحة في التخلص منهم. لكن ذلك لا يكفي لتحقيق الاستفادة الجوهرية من استعادة البرلمان فيما لو كتب له أن ينعقد في مدينة عدن، كما يخطط الرئيس هادي، وينتخب رئيساً جديداً له بدلاً عن رئيسه الحالي يحيى الراعي الذي يقع تحت نفوذ جماعة الحوثي في صنعاء، في إقامة شبه إجبارية وفقاً لأرجح المعلومات.
 
لقد شكلت مهمة استعادة البرلمان معركة سياسية موازية وشديدة التعقيد، وكان الرئيس السابق صالح يتحكم بهذا الأمر بشكل كبير جداً قبل مصرعه، بالنظر إلى أنه كان يسيطر، عبر كتلة حزبه المؤتمر الشعبي العام، على معظم مقاعد البرلمان، وهو الذي ساعد في استئناف مجلس النواب عقد جلساته في صنعاء رغم عدم شرعيتها، وذلك بموجب الاتفاق السياسي الذي أبرمه مع الحوثيين، وقضى بتقاسم لم يحقق نجاحاً للسلطة، وانتهى أخيرا بمقتل صالح في 4 كانون الأول/ ديسمبر 2017.
 
الإمارات، وعبر التشكيلات العسكرية التي أنشاتها في العاصمة السياسية المؤقتة، عدن، والهياكل السياسية الانفصالية التي أنشئت بدعم إماراتي بناء على هذا النفوذ العسكري، أبدت معارضتها لانعقاد مجلس النواب في المدينة.
 
اليوم الأمور تبدو متاحة الآن لكي تستعيد السلطة الشرعية إحدى أهم دعائمها، وهو البرلمان، ومع ذلك ثمة ما يجعل هذا الامر بعيداً لأسباب يصعب فهمها. فالإمارات، وعبر التشكيلات العسكرية التي أنشاتها في العاصمة السياسية المؤقتة، عدن، والهياكل السياسية الانفصالية التي أنشئت بدعم إماراتي بناء على هذا النفوذ العسكري، أبدت معارضتها لانعقاد مجلس النواب في المدينة.
 
لا أحد يصدق أن ذلك يحدث، فعلى الأقل هذا يتعارض مع المبدأ المعلن والهدف الأساسي لتدخل السعودية والإمارات العسكري في اليمن، وهو دعم الشرعية، ومع ذلك ثمة إصرار من الرئيس المدعوم سعودياً - على ما يبدو - على أن يعقد البرلمان جلساته في عدن.
 
التعقيدات لا تتوقف على هذا النوع من الصعوبات، التي يمكن تجاوزها إذا ما قامت الرياض بممارسة الضعط المناسب، لكن أيضاً هناك تحديات مرتبطة بطبيعة التوظيف السياسي للبرلمان.
 
فالرئيس هادي يريد أن يحصن موقعه الرئاسي عبر وضع البرلمان تحت سيطرة أحد المقربين منه، وإن كانت ثمة شكوك بأن نائب رئيس البرلمان الحالي، محمد علي الشدادي، سيكون الرجل المناسب وفقاً لشهادات برلمانيين يعرفونه جيداً، ويعتقدون بمرونة مبادئه وقابليته لتلبس أي دور مع أي طرف، خصوصاً الإمارات.
 
ويحرص تحالف الرياض أبو ظبي على إعادة توظيف البرلمان في تأمين تغطية دستورية لعملية انتقال سهلة للسلطة من الرئيس الحالي؛ الذي تنبأ نائب قائد شرطة دبي المثير للجدل ضاحي خلفان في إحدى تغريداته؛ بأنه سيفقد السلطة عام 2019.
 
وعلى الرغم من وجود إمكانية لتأويل ما تنبأ به ضاحي خلفان، إلا أن ثمة معلومات دقيقة من الأوساط النافذة في الرياض تشير إلى توفر نية مبيتة للتخلص من الرئيس هادي؛ عبر آلية دستورية يوفرها البرلمان الذي لا يزال يحتفظ بكتلة برلمانية موتورة في علاقاتها مع الرئيس، ولديها قابلية لإبرام صفقات سياسية مع التحالف، بتأثير مغريات عديدة، أبرزها وعود باستعادة نظام صالح للسلطة، بالإضافة إلى المال الذي تؤمنه الرياض على وجه الخصوص لتحقيق هذه الغاية.
 
وقع الرئيس في حرج شديد عندما أصدر قراراً جمهورياً في شباط/ فبراير 2017؛ قضى بنقل مقر اجتماعات مجلس النواب من صنعاء إلى عدن، تحضيراً للخطوة النهائية، وهي عقد الجلسة الإجرائية لانتخاب هيئة رئاسة جديدة للمجلس، ولم ينفذ هذا القرار حتى اليوم.
 
وبالتأكيد، لن ينفذ هذا القرار وفق ما يتمنى الرئيس، بل وفق ما تفرضه أجندات التحالف، وهي أجندات فيها الكثير من تناقضات وتقلبات المرحلة العالمية الحالية التي يتصدر واجهتها؛ الرئيس الأقوى في العالم، دونالد ترامب.

* عن عربي21

التعليقات