الأسرى والجثامين في اليمن
الخميس, 21 فبراير, 2019 - 08:30 مساءً

ليس من شاهدٍ على انحطاط الحرب في اليمن، وإفلاس المتحاربين أخلاقياً ودينياً وأدبياً وسياسياً كبدعة "تبادل الجثامين"؛ فبسبب من عدم الاتفاق على تبادل الأسرى، والذين هم مواطنون يمنيون تقاتلوا كقبائل ومناطق وجبهات وجهات وأطراف سياسية وحزبية وطوائف أو بالأحرى مليشيات تخوض حروباً بالوكالة، والأسرى منهم أقرب إلى المحتجزين منهم إلى الأسرى- يصبح الأمر أكثر تعقيداً، وتحويلهم إلى أسرى يؤشر إلى نوايا اقتسام الوطن الملغوم بالحرب المركبة الأهلية والإقليمية، وشرعنة التفكك والتقسيم الحالي؛ فالتفكيك والتمزيق هدف رائس لأطراف الحرب الأهلية والإقليمية والدولية.
 
العجز عن الاتفاق على تبادل المحتجزين الأسرى يؤكد سوء النوايا، والإصرار على إطالة أمد الحرب، وتفكيك الكيان اليمني وتمزيقه. الفاجع أكثر أن يهرب الطرفان إلى التفاوض على "تبادل الجثامين"، أو بالأحرى محاولة الإفراج عن الأموات.
 
ذات استيطان قال أحد القادة الصهاينة:«إن الفلسطيني الطيب هو الفلسطيني الميت». فاليمني الأسير هو الجثمان، أما الحي فليس بـ "أسير" ، حتى يموت ويتحول إلى جثمان؛ ليتم تبادله.
 
في حروب الأمم والشعوب يتم تبادل الجثمان؛ ليعاد دفنه في وطنه وأمته، ولكن تبادل جثامين القتلى اليمنيين إلى أين يراد الذهاب بها؟!
 
المتقاتلون بالوكالة يرتدون باليمن إلى ما قبل عصر المواطنة والدولة في بلد عرفت الدولة قبل مئات السنين، ثم إن من بين هؤلاء الأسرى أعداداً كبيرة معتقلين سياسيين ومختطفين ومختفين قسرياً لدى كل الأطراف، وليسوا بأسرى حرب. ونسأل أنصار الله في أي جبهة جرى أسر الأستاذ محمد قحطان الزعيم الإصلاحي؟ وفي أي جبهة أُسر الصحفيون الأربعة عشر من مختلف مناطق اليمن؟
 
ونسأل مليشيات الإصلاح في المدينة المحررة المحاصرة تعز في أي جبهة أُسر أيوب الصالحي وأكرم حميد؟ والأول أحد أهم زعماء ثورة الربيع العربي، والثاني رفيق له. وهناك العشرات والمئات وربما الآلاف معتقلون ومخفيون قسرياً ومختطفون لدى كل أطراف الحرب الأهلية والإقليمية.
 
كل المليشيات التي تشعل الحرب في اليمن وتدمر كيانه، وتمزق نسيجه المجتمعي والقومي لا تتعامل مع قيم الأديان السماوية في قضية الأسير؛ فالأسر في القرآن الكريم (فإما مناً بعد وإما فداء).[محمد : 4] .
 
العرف القبلي اليمني لا يختلف عن القرآن الكريم الذي تعامل مع ديانات مختلفة مؤمنين وكفار، وإنما العرف القبلي اليمني يتعامل مع الأسير كواحد من أبناء القبيلة الأخرى المتقاتلة معها، ويعامل الأسير بكل الاحترام وكرم الضيافة.
 
المليشيات التي تخوض الحروب بالوكالة أبعد ما تكون عن قيم وأعراف وتقاليد الحروب بأي معنى. الحرب في اليمن وعليها لا يمكن عزلها عما جرى ويجري في المنطقة كلها. فالثمرة الكريهة لتدمير العراق وسوريا وليبيا واليمن وعودة شرعية الدولة العميقة في مصر - هو تسيد إسرائيل على المنطقة كلها، ومؤتمر بولندا البداية للتطبيع العلني، وتحويل الصراع القومي العربي- الإسرائيلي إلى صراع طائفي وإثني وقبلي بين العرب وإيران وداخل كل قطر على حدة.
 
اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب تكرس العديد من المواد الحاضّة على احترام كرامة الأسير، وتحدد الأسير بأنه أحد أفراد القوات المسلحة والمليشيات والوحدات المتطوعة، أما المدنيون فليسوا بحال طرفاً في الحرب، ولا يجوز بحال تحويلهم أسرى أو رهائن كما يفعل أطراف الحرب في اليمن وعليها .
 
واضحٌ أن التعقيد آتٍ من الإصرار على استمرار الحرب، وجليٌ أن غياب الثقة، وعدم القبول بخطوات بناء الثقة: تبادل الأسرى، وإعادة الانتشار في الحديدة- عوائق أمام الوصول إلى الحل السياسي. ونتساءل هل يمكن الوصول إلى حل كلي وشامل "الإطار" بدون تعزيز الثقة، وبدون خطوات أساسية وجزئية؟ فبناء الثقة، والالتزام بالهدنة في الحديدة، وإعادة الانتشار، وفك الحصار عن تعز، وفتح مطار صنعاء، وبالأحرى مد الهدنة إلى مختلف مناطق اليمن، وفك الحصار عن اليمن كلها براً وبحراً وجواً هو الأساس للوصول إلى الحل السياسي الشامل.
 
مأساة الحرب في اليمن أنها أصبحت موظفة في الصراع الإقليمي، وأداة ضغط دولي لفرض أجندة معينة على اليمن والإقليم، والأدهى والأمَرّ أن الإقليمي أصبح أقوى من الوطني والدولي أقوى منهما معاً.
 
اليمن تتعامل معها مختلف الأطراف كرهينة وأسيرة حرب؛ ولذلك لم تتمكن الأطراف من التوصل إلى حل لتبادل الأسرى؛ لأن كل الأطراف تتعامل مع اليمن- كل اليمن- كأسيرة حرب ورهينة، وهناك تراتب في هذه الرؤية البشعة؛ فأطراف الحرب الأهلية يتعاملون مع وطنهم كأسيرة، والقوى الإقليمية: السعودية، وإيران تتعامل أيضاً مع كل هذه الأطراف كأسرى واليمن كرهينة.
 
القوى الدولية، هي الأخرى، ترى في الأطراف كلها أسرى مخططات دولية تريد هذه القوى فرضها على المنطقة العربية والأمة كلها، وهناك ترابط بين ما يجري في سوريا وليبيا واليمن؛ فالمنطقة العربية والأمة العربية مرتهنة لهذه الصراعات الوطنية والإقليمية والدولية.

* نقلا عن صفحة الكاتب من الفيسبوك

التعليقات