للعام الرابع على التوالي يحقق معلمو وطلاب اليمن نصراً حقيقياً في جبهة التعليم المستمرة دون انقطاع رغم الظروف المعيشية الاقتصادية التي خلفها الحرب وأثرت سلباً على كآفة مناحي الحياة بشكل عام وعلى المنظومة التعليمية بشكل خاص، إلا أن الوعي الكبير واللامحدود الذي يتمتع به طلاب اليمن ومعلميهم حال دون انقطاع العملية التعليمية واستمرت عجلة التدريس بالشكل المطلوب وفي الوقت المحدد وكما يراد لها.
لقد سطر طلاب المدارس في اليمن سواء على مستوى الريف والحضر أروع بطولات التحدي والصمود غير آبهين بأصوات الرصاص وأزيز الطيران الحربي المحلق فوق رؤوسهم وصدى الانفجارات القوية التي تدوي على مقربة من فصولهم أو منازلهم أو في الطريق، والتي لم تنال من عزيمتهم أو تقلل من إصرارهم على مواصلة تعليمهم.
ها هو العام الدراسي 2018 -2019 يشارف على الانتهاء، جسد خلاله طلاب ومعلمو اليمن أسمى معاني التضحية من خلال مشاركتهم في المعترك التعليمي الذي لا يقل شأناً عن المعترك السياسي والعسكري، بالرغم من قصف مدارسهم في وضح النهار وقتل زملاءهم أمام ناظريهم، كما لم تثنيهم أي عوائق أو صعوبات عن مواصلة مشوار الدراسة غير آبهين بأسوار مدارسهم المدمر وأسطح فصولهم المهدمة التي طالها الدمار والخراب وباتت حكاية مرعبة يعيشونها ضمن قصص الطفولة غير الصالحة للسرد.
انطلق التلاميذ نحو مدارسهم بإصرار عجيب وإرادة صلبة لا يمتلكها سوى من كانت دماءه يمنية ، لم يمنعهم عن ذلك انعدام الكتاب المدرسي أو سبوراتهم السوداء القديمة التي لم تعد تتقبل الكتابة عليها أو انقطاع الكهرباء بشكل كلي أو عدم توفر وسائل المواصلات، بل كانت كل هذه الصعاب تتلاشى سريعاً أمام صمودهم وعزائمهم التي كانت بحجم الجبال.
بأجسامهم النحيلة وأعمارهم الصغيرة ووجوههم الشاحبة المتعبة والمنهكة جداً ولإيمانهم المطلق بأن التعليم هو أساس بناء الأوطان استطاع طلاب اليمن أن يتغلبوا على ظروف حرب عسكرية قاهرة لم يصمد أمامها كبار رجال السياسة وقادة الفكر ليوقفوها ويفكوا طلاسمها، بل عجزوا عن إيقافها وإلى جانبهم المجتمع الدولي الذي دفن في اليمن كل شعاراته وأدبياته ومواثيقه ومعاهداته الخاصة بحماية الطفولة وحقوق الإنسان وحماية التعليم، بعد أن افتضح أمره وكشف بأنها شعارات زائفة لم تستطع إنقاذ طفل واحد من براثن الموت تحت الأنقاض.
يخوض التلاميذ في عموم مدارس الجمهورية هذه الأيام اختبارات نهاية العام الدراسي، الأمر الذي يبعث الانشراح والتفاؤل على القلب وهو يرى فلذات الأكباد يتجهون منذ ساعات الصباح الأولى إلى مدارسهم ليحصدوا ما زرعوه طيلة عام دراسي كامل رغم ما يمر به الوطن من محنة ومعاناة بسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من أربعة أعوام، فرضت نفسها على كل مجالات الحياة.
وما يعوض هذا الحزن والألم هو وجود الملايين من طلاب وطالبات اليمن يخوضون غمار التعليم بعزيمة وإصرار وتحدي كبير وطموح لا حدود له، يتوجهون إلى مدارسهم كل يوم محققين بذلك نصراً لهذا البلد الشامخ بأبنائه وفلذات أكباده الصغار الذين بهم تبنى الأوطان وتتحقق الأحلام، الأمر الذي يبعث البهجة والسرور في نفوس الكبار المغلوبين على أمرهم، كون هؤلاء التلاميذ الصغار هم بارقة الأمل لهذا الشعب وبهم تمضي الحياة قدماً وهم صانعي الفرحة التي كادت تغيب في زمن الحرب والحصار.
ختاماً .. وانطلاقاً من القول المأثور "من لا يشكر الناس لا يشكر الله" فإنه من الواجب علينا أن نشيد ونثني وننحني إجلالاً وتقديراً لكل معلم ومعلمة أشعلوا أصابعهم شموعاً كي يضيئوا دروب الآخرين، ولكل من حرص على الحضور في الميدان رغم انقطاع الراتب ومصدر الدخل الشهري له ولأسرته منذ ثلاثة أعوام، فهم صناع هذا النصر ولولاهم ما تحقق هذا الإنجاز التربوي الرائع، لهم جميعاً نرفع القبعات، والثناء موصول لكل طالب وطالبة ولكل أم وأب كانوا نجوماً حقيقيين في هذه المعركة التربوية وصمدوا وثبتوا أمام كل التحديات التي واجهوها وصولاً إلى نهاية العام الدراسي بكل جدارة واقتدار ونجاح.