الهجمات التي تعرضت لها منشأتان نفطيتان سعوديتان في كل من "محافظة بقيق" و"هجرة خريص" بواسطة طائرات بدون طيار، فجر السبت، وتبناها الحوثيون، من المؤكد أنها ستشكل حدثاً مفصلياً في مسار الحرب اليمنية التي تنخرط فيها السعودية على رأس تحالف عربي لم يتبق منه سوى دولتين؛ إحداهما الإمارات التي تتصرف كندٍ للرياض وتغرقها أكثر وأكثر في المستنقع اليمني الخطير.
هجمات السبت تمثل ذروة النجاح المحسوب على الحوثيين على صعيد استهداف المنشآت الأكثر حيوية للمملكة العربية السعودية، مع يقيننا بأن مليشيا الحوثي في صنعاء ليست إلا واجهة لمشروع يتطابق مع الأهداف الإيرانية، ويحقق أولوياتها، ويعكس مدى انزعاجها من الحظر الشامل لصادراتها من النفط والمفروظ من قبل الولايات المتحدة.
سبق للولايات المتحدة الأمريكية أن كشفت قبل عدة أشهر؛ أن الطائرات المسيرة التي ضربت مضختي نفط تعملان ضمن خط "شرق غرب" والواقعتين غرب الرياض انطلقت من الأراضي العراقية.
في تقديري أن أحدث الهجمات التي ضربت مصالح نفطية سعودية؛ لا يستبعد أبداً أن يكون قد خطط لها ونفذت عبر طائرات مسيرة من ذات المصدر السابق. وما يهم هو أن إيران المستفيد الأوحد من النتائج المباشرة لهذه الضربات، في ظل شعور بالاحتقان تجاه السعودية التي تغطي احتياجات السوق العالمية من النفط وتعوض النقص الناجم عن توقف الصادرات النفطية الإيرانية.
إن هذا التراكم النوعي للضربات التي يوجهها الحوثيون (أو توجه باسمهم) إلى العمق السعودي وإلى صلب الاقتصاد السعودي وجوهرته، وإلى أحد الأدوات الهامة التي يتحقق من خلالها الحضور السعودي العالمي، يأتي في ظل التراجع الملحوظ في قدرة وكفاءة التحالف العسكري السعودي الإماراتي، في تحقيق نتائج عسكرية تتطابق مع الأهداف المباشرة لتدخله على الساحة اليمنية منذ أكثر من أربع سنوات.
ليس ذلك فقط، بل إن هذا التحالف تورط بعد أربع سنوات من الدمار والخراب والتجويع والتشريد الذي عانى منه (ولا يزال) الشعب اليمني؛ في إنتاج انقلاب ثانٍ على السلطة الشرعية، أدى إلى تجريف آخر ما تبقى لها من نفوذ في العاصمة السياسية المؤقتة، عدن الواقعة جنوب البلاد.
السلطة الشرعية اليوم باتت بلا عاصمة، بعد أن اضطرت إلى مغادرة عدن تحت وقع الضربات العسكرية للقوات الإماراتية والتشكيلات العسكرية المحلية التابعة لها، فيما احتفظت السعودية بدور فريق الإنقاذ والإجلاء، قبل أن يتضح أن السعودية جزء من مخطط تفكيك الدولة اليمنية، غير أنها لم تكن مستعدة بعد لتحمل النتائج الآنية للحماقات الإماراتية التي وضعت الجميع أمام خاتمة مستعجلة لمخطط لم تستكمل حلقاته بعد من وجهة نظر السعودية.
ذلك أن السعودية في هذه المرحلة تتعرض لأسوأ هجمة عسكرية في عمقها الاستراتيجي بواسطة الطائرات المسيرة والصواريخ بعيدة المدى التي يطلقها الحوثيون، أو تطلقها باسمهم أطراف أخرى ضمن الحلف الذي يدور حول المصالح الإيرانية وأجندتها الطائفية في المنطقة.
وأعود لأوضح لماذا تعد هجمات فجر السبت على منشآت نفطية سعودية؛ مفصلية في الحرب اليمنية، وذلك لأن السعودية اليوم، وقد اضطرت إلى إيقاف جزء مهم من صادرات النفط إلى العالم، لم يعد لديها هامش كاف للمناورة ولمواصلة إدارة الحرب بهذا الأسلوب العبثي.
فالإمارات التي تتحكم بمشهد الحرب في اليمن تبدو في منأى عن تداعياتها، لذا لن تكترث، قياساً بالسعودية التي تتكبد خسائر مادية ومعنوية تساهم في تآكل سمعتها ومكانتها. وتأسيساً على ذلك، يمكن للإمارات أن تواصل مخطط إفشال التحالف عبر الاستمرار في دعم مشروع الانفصال، وهو خيار كارثي بالنسبة للرياض التي ستجد نفسها عاجزة عن التحكم الكامل بالمشهد العسكري والسياسي في اليمن، كما هو عليه الحال الآن.
ثمة مؤشرات عديدة على تغير جوهري في الموقف السعودي؛ قد يدفع باتجاه التخلي عن الخيارات الكارثية التي وضعتها الإمارات امام التحالف طيلة السنوات الماضية. إحدى هذه المؤشرات؛ اللقاء الذي جمع الرئيس عبد ربه منصور بنائب وزير الدفاع الأمير خالد، والذي أوضح أن لقاءه الرئيس جاء بتكليف من ولي العهد، مما يعني أن التنسيق مع السلطة الشرعية بات جزءا من أولويات ولي العهد السعودي؛ الذي كان على الدوام جزء من الأجندة الإماراتية.
أما المؤشر الثاني فيتمثل في انسحاب وفد الشرعية من مدينة جدة وعودته إلى الرياض، دون أن يجري محادثات مع وفد المجلس الانتقالي الموالي للإمارات، وتلا ذلك زيارة يقوم بها نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية، أحمد الميسري، إلى القاهرة، للقاء شخصيات سياسية، بهدف بناء جبهة عريضة لمواجهة التطورات الأخيرة على الساحة اليمنية.
والأهم من ذلك، أن تحركات الوزير الميسري، بحسب مصادر قريبة من الوزير، تجري بضوء أخضر من المملكة العربية السعودية.
قد يبدو الذهاب المبكر إلى افتراض أن ثمة تحولا جوهريا في الموقف السعودي قد يحسم مسار الحرب؛ ضرب من الأحلام الوردية التي لا يدعمها النهج المتقلب للقيادة السعودية، والذي أنتج مؤخراً بياناً مشتركاً مع الإمارات ثبّت الإمارات طرفاً أساسياً في التحالف وحكماً في الصراع الذي خطه التحالف نفسه؛ بحثاً عن نتائج مغايرة لمهمته العسكرية في اليمن.
لكن لا بأس أن نتفاءل قليلاً؛ لأن الأمر يتعلق بمؤشرات الخطر التي تؤكد أن السعودية تتعرض لمكيدة كبيرة، الإمارات أحدُ أطرافها المؤثرين، خصوصاً أن هذا البلد لم يتردد في إعادة التموضع ضمن مسار الحرب في اليمن كطرف يواجه الإرهاب تحت المظلة الأمريكية. وهذا لا يعني سوى أن الإمارات تسعى بوقاحة معهودة لتحقيق أهدافها، تحت مظلمة التحالف أو تحت المظلة الأمريكية.
نقلا عن عربي 21