عاش أمجد جل عمره عند أطراف لندن .
المدينة التي كانت تبسط يدها لمائة وأربعين عاما على عدن.
تعلم الطالب الاردني المولود في الزرقاء في العام 1955 السياسة في جامعة عدن وحصل على شهادته منها .
غادر هاربا يوم قتل الساسة بعضهم .
فر قبل مراسم دفن علوم السياسة في معركة اجتماع اللجنة المركزية للحزب الواحد الذي يحكم الجنوب .
جذب أمجد ناصر عهد عبدالفتاح إسماعيل .
لقد كان فتاح مشكاة تجذب الفراشات .
كان يجب على زميل اسماعيل في الحزب أن ينتظر عند بابه لأنه مشغول بلقاء شاعر عربي .
كتب أمجد ناصر هذا يوما.
دونه درويش من قبل .
كان شعراء العرب يحبون الاحتفاء ولم يبقى لهم من أيام المجد غير عهد إسماعيل ، المولود في الشمال، الحاكم في الجنوب ، الماركسي الأنيق الذي لم يستوعب أحد حتى اليوم كيف قتلوه.
لقاء فتاح هي كل ما تركته مجالس عصر نهضة العرب لشعرائهم.
ولقد حضروا من بقاع عدة بحثا عن أخر ربيع في السنوات كلها.
تعلم الشاعر الاردني علم السياسة في عدن كان اشتراكيا إلى أن حطمت وذوت الاشتراكية في أحضان أعدائها وهم معروفون بالاسم والصفة .
عدن التي جذبت الأسماك الملونة والقوارب والغزاة جلبت الشعراء ايضا
ثم ماذا فعلت؟
تجاهلتهم والتفتت نحو الجبل الذي أحتل قلبها
صار من يفتقرون إلى خيال الناظمين سادتها .
غدت المدينة التي يغسل البحر أقدامها ساحة للصراع والشيلات .
ينزل المقاتل يصرخ فيها ثم يعود مساء إلى كوخه في الجبل البعيد يحمل كيس فيه بقايا مزهرية مسروقة يقدمه لأطفاله مع فكرة عن عدن المدينة البيت المنهوب مزهرياته على الدوام .
مات أمجد ناصر وفي كيس عودته أمنية أن يزور عدن وصنعاء .
حلم بالإياب إلى ميناء التواهي والبكاء عند مكتبة المقالح كما كتب في مقالاته الأخيرة قبل الموت ( يختفى الشعر عندما يظهر الشعار )
للشعراء صوتهم المنخفض وللشعار موت يجلبه لكل من قرأه أو آمن به .
وداعا أمجد..
عدن لن تنساك وستجد متسعا من الوقت حين يعود الجبل إلى تضاريسه والمزهريات إلى مواضعها في البيت ويعود فتاح إلى المنزل ويخبرنا لما طال اجتماع اللجنة كل هذا العمر .