مع حملة الإرهاب الفكري التي يتعرض لها كل من يدافع عن الشخصيات الوطنية التي لا تروق لكثير من الأقلام المأجورة البائعة هواها ومواقفها المتخبطة قد لا يستسيغ، أو لا يجرؤ الكثير من الكُتاب الكتابة عن تلك الشخصيات لإنصافها أو الدفاع عنها، في وسط أمواج عاتية من تلك الحملات، فيكون كمن يسبح ضد التيار، وربما يتعرض لسيول من الشتائم والتجريح والتوصيف الذي لا حد له.
لكن دعونا نخوض هذه التجربة مع أكثر الشخصيات إشغالاً للرأي العام وجدلاً في الساحتين المحلية والإقليمية، عن قناعة تامة مهما كانت ردود الأفعال، والتي لا تفتر أقلام الارتزاق والتأجير عن قدحها وشتمها ليل نهار ومن يؤيدها، وهي شخصية نائب الرئيس الفريق الركن علي محسن صالح؛ شهادة لله ثم للتاريخ.
إذ مثل نائب رئيس الجمهورية الفريق الركن علي محسن الأحمر شوكة الميزان على الساحتين السياسية والعسكرية في اليمن، ولذلك كان الرجل المخضرم الذي شهد كل أحداث التحولات والمنعطفات والمحطات اليمنية البارزة منذ بداية سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم.
لا تذكر اليمن والجمهورية إلا برز اسم الفريق علي محسن صورة مشرقة لها، وكلما سمع هيعة في سبيل الدفاع عنها إلا كان في مقدمة الصفوف، والرجل الذي يشار إليه بالبنان، يمثل مرجعية كل اليمنيين إذا جد جدهم ورأيت كل القوى تشرئب بأعناقها تجاه الرجل وأين سيكون موقعه وماذا سيكون موقفه، على الرغم من صب الأقلام المأجورة التي لا تفتر كل افتراءاتها عليه تشويهاً وقدحاً وردحاً متجاوزة العوامل الموضوعية إلى خانات الارتزاق والتكسب على حساب القيم والمبادئ الوطنية، فقد أضحى باب الولوج والتقرب من بعض القوى والأجهزة المخابراتية الإقليمية وبعض دولها للحصول على فتات على حساب الوطن والقضية اليمنية.
في عام 1978 قام الناصريون بالانقلاب على الدولة، وتصدى علي محسن لذلك الانقلاب - مع بقية رجال الدولة وفي مقدمتهم الرئيس السابق علي صالح- كواجب الرجل العسكري وموقعه كقائد في مؤسسات الدولة، وهو ما تفرضه عليه مهنته وواجبه وإلا كان خائناً للواجب والوطن يومها، ومن يومها لا تفتر أقلام الناصريين عن الطعن فيه وتشويهه وتنسب إليه كل عمل قبيح لتنفير الناس عنه، لكن من يمشي في طريق الحقيقة والموضوعية لا يلتفت إلى ترهاتهم وأحقادهم التي يمارسونها في كل زمان ومكان وهو شغلهم الشاغل وديدنهم المستمر.
لم تكد تمضي أربعة أعوام حتى كان الرجل ضمن شخصيات كثيرة فاعلة تؤسس المؤتمر الشعبي العام كواجهة سياسية تنصهر فيها كل القوى السياسية التي تعمل من تحت الطاولة، واستمر الأمر كذلك حتى إعلان التعددية السياسية التي رافقت الوحدة اليمنية عام 1990 ليكون دينمو المؤتمر ورجل الدولة العتيد الذي كان متكَأً لمؤسساتها مرجعيةً لكل القوى السياسية اليمنية، لم يمنعه انتماؤه للمؤتمر الشعب العام من التواصل مع كل القوى السياسية الفاعلة والحية دون تعصب للمؤتمر الذي ينتمي إليه، وكانت معسكراته التي يديرها تشهد هذا التنوع دون النظر إلى الخلفية الحزبية إلا أثناء اشتداد أزمة المرحلة الانتقالية والتي كانت تمارس ضد الآخرين من قادة ألوية متعصبين جمعوا بين المناطقية والحزبية، ولا أخفي أنني كنت أحد ضحاياها أثناء التحاقي بالفرقة الأولى مدرع.
في حرب صيف 1994 كانت أبرز محطات العقد التسعيني اليمني سياسياً وعسكرياً وإعلامياً شهدت حملاتٍ إعلامية منقطعة النظير كلها تصب جام غضبها على الرجل الثاني في الدولة (علي محسن الأحمر)، متجاوزة الرجل الأول فيها (علي صالح) بأسهم النقد والتعريض حيناً والتجريح أحايين أخرى، فكانت ثاني المحطات التي تعمل ضد الرجل إعلامياً وسياسياً لا تفتر عن الطعن فيه، لتنضم إلى حملات العقدين السابقين، حتى من الصف المؤتمري الذي ينتمي إليه بلغت ذروتها مع الثورة الشبابية ومع الانقلاب الحوثي الذي تحالف فيه صالح والمؤتمر وقام الطرفان بالانقلاب على الدولة صاحبه حملات إعلامية ضخمة صرفت عليها مليارات الدولارات.
كان الرجل أكثر الشخصيات اليمنية تأليفاً لقلوب الناس حوله؛ يألف ويؤلف، وخاصة المبعدين من نظام صالح السابق في كل المنعطفات، وخاصة مبعدي الجنوب بعد حرب صيف 1994، وكان المصلح بينه وبين كل القيادات التي يتم إقصاؤها من المؤسسات أو تلك التي تتمرد على الدولة، لا يكل ولا يمل من العمل على حل الكثير من الخلافات اليمنية لتوحيد الصفوف وتصفية النفوس، والأمثلة على ذلك كثيرة لا يجهلها كثير من المتابعين المنصفين الباحثين عن الحقيقة لا النائحات المستأجرات.
حينما كانت القوة الضاربة متمثلة في الفرقة وألويتها المختلفة من صعدة وحتى أبين كانت كل وسائل الإعلام - بما شهدته من حرية التعبير في تلك الفترة، والأجهزة الأخرى مخابراتية وغيرها- لا ترى في الوطن إلا القائد علي محسن فتوجه كل سهامها نحوه قدحاً وردحاً وتشويهاً ممنهجاً ومدروساً، وكان في أقوى قوته وأوج مجده وانضمت جهات مختلفة إلى تلك الحملات والتناولات الإعلامية المتصاعدة أكثر فأكثر.
لا أخفي القارئ الكريم سراً أنني كنت في تلك الفترة وخاصة بين أعوام 1995 و2006 من الكتاب الذين ينالون الرجل في صحف ومواقع مختلفة وأحياناً بأسماء مستعارة ولكن بنقد موضوعي وشواهد تاريخية من خلال التجربة التي مررت بها كأحد صف ضباط الفرقة الأولى قبل الصعود إلى درجة الضباط التي لم تكتمل بسبب معاملات بعض القادة العنصريين والمناطقيين وتسريحي من الجيش عام 1995، لكن مع انحياز الرجل للشعب وقضاياه المصيرية ومبادئه الجمهورية أعدت النظر في موقفي الشخصي إلى الموقف العام في الصف الجمهوري والانحياز الشعبي وصرت من المدافعين عنه لا لشخصه بل للصف الجمهوري والشرعي الذي يمثله.
مع انطلاقة أولى حروب صعدة عام 2004 كان صالح قد عمل كثيراً من تحت الطاولة مع هذه الأحزاب والأقلام التي نالت من علي محسن، وكان يغذيها أيضاً من خلال الأجهزة الأمنية ودعم بعض الصحف الأهلية والمعارضة التي كانت جل كتاباتها تنال من الرجل وتعمل على تشويهه؛ لأن صالح كان يريد الانفراد بالسلطة وتوريثها، فعمل في الجانبين الأمني والعسكري الشيء الكثير في سبيل هذه الغاية، حتى أن أحد دوافع حروب صعدة الأولى كان التخلص من علي محسن في الوقت الذي كان يسحب الأسلحة الثقيلة والمتطورة من الفرقة إلى مخازن الحرس الجمهوري وكل مشتريات الأسلحة كانت تتجه للحرس وتهميش الفرقة الأولى مدرع، هذا فضلاً عن دعم وإنشاء الحركة الحوثية أو الإسراع بإظهارها على السطح والأخذ بيدها من تنظيم خفي ضعيف تأسست بداية الثمانينيات، كما يعترف صالح نفسه بهذا الدعم والتمكين وخطاباته ليست خفية في هذا الجانب وفي متناول الجميع.
أسرد هذه المحطات والمعلومات كيف أن علي محسن كان في كل محطة يقوم بواجبه العسكري كقائد ورجل دولة، وكيف تنبري بعض القوى لمهاجمة الرجل وكيف يزيد أعداؤه مع كل محطة، وكل هذه التناولات الإعلامية للذباب الإلكتروني ليست من باب الحرص على الوطن أو تقويم اعوجاج الرجل بل لغرض التخلص من أقوى رجال الجمهورية وحراسها الأمناء، وخلو الطريق لهذه الكيانات والشخصيات المريضة.
من يفتش في واقع وماضي كل المسؤولين اليوم منذ 2012 وحتى 2015 سيجد أن نسبة 99% منهم تلوثت أياديهم بمدها للمليشيا الحوثية قبل وأثناء وبعد الانقلاب مساندة له بطرق مباشرة وغير مباشرة إلا يد الفريق محسن، ولذلك لا تكره هذه المليشيا رجلاً أو تحقد عليه وتتمنى أن تظفر به بحجم الفريق علي محسن ولا حتى الرئيس هادي نفسه أو أحد رجاله الآخرين.
الكثير من القوى السياسية والأقلام المأجورة ساعدت وساندت تلك المليشيا حتى اليوم، وهي تدعي أنها تقف في صف الشرعية، ولا توجه سهامها إلا صوب الشرعية ورجالها وخاصة الفريق محسن، ولا نجدها تتعرض بالنقد للمليشيا الحوثية التي تدعي محاربتها؛ لأن الرجل لا يمكنه استخدام وسيلة القمع والبطش والإرهاب التي تخضعهم كما تفعل المليشيا الحوثية بهم وبغيرهم.