بعد خمسة أعوام من الحرب يتجلى معسكر الشرعية عارياً من غطاء حلفائه القادمين من خارج الحدود، ويعاني من غياب القيادة والصف الموحد والتوافق على النهاية المثالية للمعركة، بصفتها دولة يمنية اتحادية ونظام جمهوري ديمقراطي.
السعودية أظهرت توجهاً وقحاً لتقويض النظام الديمقراطي الهش الذي تأسس في أعقاب إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 أيار/ مايو 1990، فهي تتسق مع التوجه الإماراتي نحو إعادة إنتاج منظومات سلطوية أقلوية تتحكم بمصير يمن مفكك وضعيف، وبلا هوية سياسية واضحة ولا أحزاب.
أكثر ما يثير الإحباط أن الرئيس عبد ربه منصور هادي، هو القائد الأسوأ الذي يمكن أن يوضع في هرم البناء السلطوي لبلد يواجه تهديدات تنال من وجوده، على شاكلة التهديدات التي تواجه اليمن في المرحلة الراهنة.
لا يزال هذا الرئيس يقدم الغطاء الكامل لمخطط سعودي إماراتي هدفه تمزيق اليمن والاستحواذ على أهم مناطقه الاستراتيجية، وإخراجه بالكامل من معادلة التأثير الإقليمي، بما يتسق مع وزنه الجغرافي والديمغرافي وإمكانياته وموارده الطبيعية المدفونة.
وعلى الرغم من بعض الإشارات التي تصدر من وقت لآخر عن مقره الفندقي المعزول في الرياض، إلا أن الرئيس لا يزال في نظر اليمنيين مُحْبِطا وضعيفا وربما متآمرا، لكونه يصمت في اللحظة التي يتعين عليه فيها أن يتحدث ويجيب على الأسئلة التي يطرحها الشعب اليمني بإلحاح؛ وهو يرى المعركة تتجه إلى نهايات غير منطقة في جبهات عديدة.
فقد اضطرت القوات الحكومية إلى الانسحاب من تموضع راسخ لها في كل من محافظة الجوف وشرق صنعاء(نِهْمْ)، ولم تكن تنقصها الشجاعة والاستعداد للتضحية ولا الكفاءة القتالية، ولكن التحالف بقيادة السعودية الذي يتحكم في هاتين الجبهتين هو الذي أشرف على تحقيق هذه النتيجة المغايرة تماماً لما يريده المقاتلون.
قوات الجيش الوطني وبتأثير الترتيبات السيئة للتحالف تواجه حالياً ضغطاً حقيقياً في مأرب؛ لا يتوقف على الزحف العسكري المحتمل من جانب الحوثيين، وإنما أيضاً تضاف إليه موجةُ النزوح التي تحمل معها إحباطاً ويأساً من الشرعية والتحالف/ واتهامات لهذا الخليط من الحلفاء السيئين بأنه هو من يصنع كل مظاهر الهزيمة التي تلحق بمعسكر الشرعية وبالصف الوطني الكبير التواق إلى استعادة دولته.
السعودية والإمارات بعد خمسة أعوام من الحرب ليستا بالعافية التي ظهرتا عليها مع تحليق أول طائرة للتحالف فجر السادس والعشرين من آذار/ مارس 2015، فقد حدثت تحولاتٌ خطيرةٌ داخليةٌ، سياسية واقتصادية، ودخل البلدان في شبه عزلة دولية؛ إلا من صفقات تستنزف ما تبقى لهما في الصناديق السيادية.
ففي مقاربته الخطيرة للوضع الجيوسياسي في اليمن، ينطلق التحالف السعودي الإماراتي من أرضية سياسية داخلية مأزومة للغاية، لأن كلا من محمد بن زايد وحليفه الأصغر محمد بن سلمان، المهيمن على الدولة الأكبر في الجزيرة العربية، يقدمان على خطوات جريئة في طريقهما للاستحواذ على السلطة في بلديهما، على حساب البناء التقليدي لنفوذ العائلات الحاكمة في البلدين، وقد توسلا حرب اليمن للبرهنة على أنهما قائدان قويان ويستطيعان أن يجلبا السلام لبلديهما، رغم أن البلدين وعلى الأخص السعودية يفتقدان للسلام أكثر من أي وقت مضى.
السلوك الراديكالي لكل من "ابن زايد" و "ابن سلمان"، والذي انعكس على تحولات جذرية في البيئة الثقافية والاجتماعية في كلا البلدين، ودفع بهما بسرعة قياسية في خضم موجة التغريب، أعطى إشارة قوية إلى الحليف الضعيف والأعزل في الشرعية اليمنية بأنه ليس أمامك من خيار سوى القبول بما نريده نحن، وبالأخص ما يتعلق بالنهاية المناسبة للحرب ومحمولاتها السياسية.
السعودية لا تدرك وهي تقوم بهذا القدر من السيطرة على أداء الرئيس والحكومة الشرعية بأنها ستواجه الحقيقة المرة في نهاية المطاف، وهي أن السلطة الشاملة التي يرسخها المتمردون على الأرض هي التي سيكون بمقدورها أن تعيد توجيه مسار الحرب إلى نهاية؛ قد تنوء بسبها السعودية بأثقل هزيمة عسكرية تتلقاها في تاريخها كله.
مُنع نائب الرئيس علي محسن صالح من الذهاب إلى مأرب وهو اليوم يعود إلى المحافظة، إلى جانب بضعة وزراء في الحكومة في مهمة هدفها المعلن هو قيادة جولة جديدة من المعارك لتجريد الحوثيين من مكاسبهم العسكرية.
واللافت في تطورات الساعات الأخيرة؛ الزيارة التي قام بها السبت مارتن غريفيث إلى محافظة مأرب، وهي زيارة تحمل من الدلالة ما لا يمكن تجاهلها، فهو يتحرك دون تحفظ في أهم وآخر معاقل الشرعية ليعطي دروسه المعتادة في أهمية السلام، والذي يعتبر متاحاً في هذا الوقت الذي تتعاظم فيه قوة الحوثيين على تحقيق مكاسب عسكرية تحت أنظار التحالف والطلعات الاستعراضية لأحداث طائراته المقاتلة فوق الجبهات.
* نقلا عن عربي21