ذات يوم أطل رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي في هيئة رئيس كامل الفخامة، محاطاً بالحراسة السعودية، ويلتقي شخصيات يقال عنها جنوبية، ويرفع العلم الانفصالي جنباً إلى جنب مع العلم السعودي، وكلها مؤشرات سيئة إلى المصير الأسوأ للتدخل السعودي في اليمن.
حدث ذلك ضمن المساحة المخصصة للزبيدي في فندق الريتز كارلتون الفاخر والرهيب في الآن معا، في العاصمة السعودية الرياض، والذي أقام فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأبرم صفقة بمليارات الدولارات مع الأمير محمد بن سلمان الطامح للوصول إلى السلطة، مكنته من شغل منصب ولاية العهد سريعاً وبطريقة تشبه الانقلاب الأبيض.
لا خير يمكن أن يخرج من هذا الفندق الذي شهد واحدة من حلقات الصراع المريرة بين شركاء السلطة والثروة في "مملكة الصمت"، وها هو يؤدي دوره كمعتقل فاخر، لطالما أنضج الصفقات وهيأ للتسويات التي تنطوي على خسائر محققة للطرف الأضعف والأقل عدة ومهارة، ولا أراها هنا سوى السلطة الشرعية المهترئة والمبتلية بقيادة متضعضعة ومنقسمة وموتورة ومصادرة الإرادة.
في ذلك المشهد الذي أشرت إليه في بداية هذا المقال، بدا عيدروس الزبيدي رئيساً افتراضياً، لكنه تقاسم العديد من العوامل المشتركة مع الرئيس الحقيقي لليمن، عبد ربه منصور هادي.
فكلا الرجلين يعيشان في كنف المخابرات السعودية، حياة فندقية خمس نجوم، ويتلقيان دعماً مالياً سعودياً، ومحاطان بحراسة من ضباط الأمن والمخابرات السعودية، وتصرفاتهما تجري تحت الرقابة الأمنية السعودية الكاملة، ولا يمكن لأي منهما أن يصدر موقفاً لا يتفق مع المصالح السعودية.
حينما نُشر فيديو كاريكاتوري للزبيدي وهو يتحرك في بهو واسع داخل فندق الريتس، باتجاه المقعد الذي سيجلس عليه، انزعج الكثير من اليمنيين من هذا المشهد، بسبب وجود العلم الانفصالي، في فندق تابع للحكومة السعودية. وفُهم من هذا السلوك أنه إشارة سعودية إلى أن مستقبل دور المجلس الانتقالي ومسعاه لإقامة الدولة الانفصالية هما جزء من توجه استراتيجي سعودي، وليس فقط إماراتيا.
الردود الغاضبة جعلت السعودية لا تسمح بتكرار التصرف ذاته من قبل عيدروس الزبيدي في مناسبة أخرى، لكن في المقابل تزداد عزلة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وتتعمق الهوة بينه وبين بلاده، ويتقلص نفوذه شيئاً فشيئاً في اليمن، لحساب الحركات المسلحة الانفصالية في الجنوب وجماعة الحوثي الإمامية في الشمال.
كم يبدو مثيراً للاشمئزاز أن ينخرط الرئيس وكبار مساعديه في خلافات؛ من شأنها أن توفر الذرائع السمجة لكلا الطرفين بالادعاء أن الطرف الآخر هو من يعيق تحقيق المصالح الكاملة للسلطة الشرعية، من خلال تنفيذ اتفاق الرياض، الذي يتعثر ويتبعثر، ويُحال إلى خانة الاتفاقات الفاشلة.
فقد مضى شهران منذ أن تم تكليف الدكتور معين عبد الملك سعيد بإعادة تشكيل الحكومة، أي ضعف المدة المقررة أصلاً كمهلة لتشكيل هذه الحكومة التي يفترض أن تضم 24 وزيراً بالمناصفة بين شمال اليمن وجنوبه، ويعين فيها الرئيس وزراء الحقائب السيادية، وتعكس المحاصصة السياسية إلى جانب المحاصصة المناطقية، ومع ذلك لم يتكمن رئيس الوزراء المكلف معين عبد الملك سعيد من تشكيل هذه الحكومة.
يحدث ذلك رغم أن الرجل يعكس الإرادة السعودية في اختياره لمنصب رئيس الحكومة، ورغم أن الأسباب التي تحول دون تشكيل الحكومة ليس من بينها عجز الأطراف السياسية عن تحقيق أهداف الشراكة ضمن هذه الحكومة، أو فقدان العدالة في توزيع الحقائب الوزارية، بل لأن المجلس الانتقالي الذي يتواجد رئيسه في الرياض لم يقبل حتى الآن بتنفيذ الشق العسكري، الذي يقضي بإنهاء النفوذ العسكري والأمني لهذا المجلس ذي النزعة الانفصالية في العاصمة السياسية المؤقتة، عدن.
وهدف كهذا لن يتحقق إلا بانسحاب قوات الانتقالي من المدينة وإعادة انتشارها في مواقع مختارة من البلاد. وهو أمر مرهون بإرادة السعودية، راعية اتفاق الرياض، وهي ليست عاجزةً عن حمل المجلس الانتقالي على تنفذ التزاماته، ولكنها في الحقيقة لا تريد وليست في عجلة من أمرها، فهي تخطط ربما لإعادة إنتاج صيغة جديدة لهذا الاتفاق، تمنح الانتقالي فرصة الحصول على المزايا السياسية للاتفاق، دون أن يكون مضطراً إلى تقديم تنازلات جوهرية في الشق العسكري.
وما نراه في حقيقة الأمر هو أن ثمة إرادة واضحة من جانب الرياض لتكريس الانتقالي في جنوب اليمن، معادلاً موضوعياً للحوثيين الذين يسيطرون على معظم مناطق التركز السكاني في الشمال، بغض النظر عن النتائج المباشرة التي قد تكون ضداً على الدور السعودي نفسه في اليمن، والذي يكتسب مشروعيته من انحيازه الظاهري للسلطة الشرعية المعترف بها دولياً، وهو أمر يحسب على التزام مفترض وليس حقيقياً تجاه وحدة اليمن وسلامة الدولة من التهديدات، وإلا لما كانت السعودية أحد الأطراف الرئيسية التي ساهمت في تكريس هذه التحديات وزرعها في مسار استعادة الدولة والاستقرار في اليمن.
ومع ذلك، ثمة من يتحدث عن خلافات بين الرئيس ورئيسي البرلمان وحكومة تصريف الأعمال، تدور حول تنفيذ اتفاق الرياض، وتُظهر رئيسي البرلمان والحكومة في مقام التفريط، والرئيس هادي في مقام الحرص على تنفيذ الاتفاق بكل حذافيره.
ولولا أن هذه المعلومات صدرت عن سياسي يحظى باحترام وتقدير من معظم اليمن، وأعني به وزير النقل المستقيل الأستاذ صالح الجبواني، لما احتاج المرء إلى الخوض فيها.
وما أود توضيحه هنا هو أن الرئيس لا يحتاج إلى أصوات مرجحة لكي يتخذ القرار المناسب ضمن المؤسسة الرئاسية، وليس بوسع أي من رئيس البرلمان أو الحكومة أو أي مستوى قيادي آخر في الدولة أن ينتقصوا من الصلاحيات المطلقة الممنوحة لهذا الرئيس بموجب الدستور واتفاق المبادرة الخليجية وآليته التنفيذية.
لذا على الرئيس هادي أن يبدي أن الاستعداد الكافي للتصرف كرئيس تحمّل أمانة المسؤولية عن اليمن وشعبه في مرحلة استثنائية، وأن يغسل أخطاءه الكارثية التي ارتكبها بحق اليمن. فقد كان نفسه أحد الأطراف التي ساهمت في تكريس معاناة اليمنيين وجرهم إلى هذه الحرب التي باتت متعددة الأطراف، وبأجندات إقليمية شديدة الخطورة على وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه.
* نقلا عن عربي21