أُذِنَ لأهل الإيمان قتال (طائفة المؤمنين) التي تبغي حتّى تفيء إلى أمر الله.
تأمل في محتوى الهلالين أعلاه، ثمّ تفرّس فيما إذا كنتَ ترى (الإمارات) طائفةً مؤمنة بغت على أُخرى، فنقاتلها قتال أصل الأمّة لفرعها حتّى تفيء، أم تراها طارئة من الشّنآن بغت على عامة المؤمنين، فنجاهدها جهاد الأمّة المؤمنة للأُخرى الكافرة حتّى تفنى؟
فحوى كلّ حالٍ، من بغى علينا واعتدى، فدمه حلالٌ علينا مثل حليب أمهاتنا، وهاكم البغيّة عدوّنا الألعن لا ينازعها الرّجيم على صدارتها، وإن أخرناها صفًّا في فرز الملعونين، سنبقى نحن نحتل الصّف الأول من مصفوفة حقدها الأرعن، لكنّما من باب "نصف النّصر أن تعرف عدوّك أكثر مما تعرف نفسك"، نودّ أن نعرف ما هويتها، وما هيتها؟
في الحقيقة هذه المعرفة ليست سهلًا، لا شياتٍ وحيدة الدّلالة تُعرف بها، ولا لطخة جينية تُشير إلى سلالة بشرية معينة، إنّما هجين تحدّر من كلّ خطيئات الأمم من الأزل إلى الأبد، نفاق الأعراب، غدر اليهود، تربص المجوس، انتهازيّة النّصارى، نيرفانا البوذيّة وسلوك المومسات.. مسلمة اسلمت كلّ الأديان من شرورها عدا الإسلام، عربيّة الأبجديّة عبريّة حتّى النّخاع، محتلةٌ احتلاليّة... عن كلّ فاحشةٍ تبنّت الإمارات مولودها البكر..
إذن، أيما رأيتَ، قد أذن الله لك قتالها، وفرض عليك جهادها، وأباح لك كلّ أوزار الحرب في نزالها، من الحبر الجاف إلى الباروت المسيل للدّم، ومن جانب الوطن كلّ وسائل التّطهير مشروعة، فليس ثمّة صوتُ يهزّ أخشبين من رواسي اليمن سوى طبول حربٍ تُقرع استنفارًا ونفيرًا للذّود عن حياض الوطن أرضًا وتاريخًا وإنسانا، ليس لأنّها دويلة طارئة على الخريطة قامت مقام قرى صحراوية كانت خيام على ساحل عُمان، ولا لأنّها راعية أغنام تطاولت بالبنيان مُذ الانفجار النفطي القريب- وإن كان ذلك يعدّ انتصارًا لعظمة الوطن من امتهان شذّاذ الآفاق- إنّما عداوتنا لكونها طارئة مجهريّة طالت تاريخ سام وولغت في رقعةٍ من جغرافيا حميريّة النّسب مُذ الانفجار الكوني العظيم، ولكونها كيانٌ لم يدّخر آية في سبيل اظهار صهيونيته الزّائدة عن صهيونية اليهود.
الشّق الثاني من النّازلة الأكثر غموضًا، رزيّة لا تفقه أعدوةٌ للشّعب هي أم حليفٌ، أم تراها على الحياد بين هذا وذاك؟!
الشّعب لا زال يتمسّك بالشّرعيّة رغم أنّه لا ذيل خلفها يُمتسك ولا يدٌ معنويّة تٌمسك بالطرف الآخر من شعرة معاوية، لكنّه يُبقي اعتصامه بحبلها الافتراضي، فثمّة تجربة مريرة وحياة قاسية يعيشها في جلبة التمرّد المليشاوي وفوضى اللادولة، فتبقى الشّرعية- وإن سقطت عينها وياؤها وتاؤها- قوت الأمل المتبقي الذي يقيم أود المواطن بعدما أكلت الحرب كلّ أحلامه، وليتها تبادل الشّعب من فنادقها تشبّثًا افتراضيًا ينعش أملًا أخيرًا يلفظ أنفاسه الأخيرة، لكنّها أُمنية وجرحٌ، أبعد من روحٍ فارقت عزيزًا وأقرب من طعنة في خاصرة.
تنازل الشّعب عن حقّه عليها حتّى لا مجال لتنازله إلا التّخلي عن مواطنته، لم يعد يتعقّب آثارها على الأرض، بل صار يتبّع أصداءها على القنوات، يطمع أن يجدها دولةً ذات مسئوليّة شفويّة بشقّها الإعلامي فحسب، مكنةٌ إعلاميّة توقظ حماسه الوطني كأغنية أيوب، أصواتٌ رجوليّة تتناغم مع صوت المدفعيّة، أو نسويّة ذات حميّة تعرب نيابة عن شعبٍ يمور مور السّحاب ويزأر كالرّاعدة، هل هذا كثيرٌ على شعبٍ يشرعن نزلاء الفنادق من طاحونة الحرب؟ بل هو قليلٌ، ثمالة النّزر الأقرب إلى العدم، لكنّه أضحى حلمًا في عصف الوطن المأكول.
لا أنسى الأصوات الشّرعيّة التي تعمل كمبكبرات صوت على مئذنة الوطن، فأنّي لقلّتها أحفظها نبرةً نبرة، ولا أشكرها، فليس ثمّة أعمالٌ تطوعيّة في سبيل الوطن حتّى الشهادة، بل واجبها الطبيعي تجاه الوطن ودينٌ عليها سداده، وهذه اللهجة الصّارمة الثائرة إن لم تبدِ في هذه المحطة الفارقة من التاريخ وبدت دونها، فأنّها ثُلمةٌ في جبين الرّجولة لا ترتق. يقول ميزان الرّجال: "لسان الفارس أمضى من سيف الجبان"، فاين فرسان الإعلام من هذا البيان؟
حسنًا، للفرسان سياقٌ آخر، إنّما أنا في سياق الحديث عن ذوي الأصوات العصفوريّة النّاعمة التي نسمعها مجونًا في حقبة الإعلام الحربي والحرب الإعلاميّة وطحن العظام، وبناءً على قاعدة لكلّ مقامٍ مقال، لا عقلانيّة ولا دوبلماسيّة تجاه محتلٍ، ولا ردة فعل تبديها إلا لتبدو له كم أنتَ مجنونٌ ووحشٌ كاسر. ألسنة المقاهي الرومانسيّة يجب أن تُجذّ من أفواه الشّرعيّة جذّ العير الصليانة، الآيادي المرتعشة يجب أن تُبتر من أكتافها. هذا أوان الحزم، وأيم الله ما رأى التاريخ- على مستوى الأفراد والأمم- قاتلًا أحدّ لهجة من أولياء الدّم، ولا محتلًا أكثر جرأةً من حكومة يحتل وطنها، لكنّه رأى بعدئذ ورأينا نحن عيانًا أشباه رجالٍ يتحدثون بالأمس إلى برنامج نواعم كما كان الأمر يبدو، والقضية مجزرة العلم التي ارتكبها الطيران السعودي- الإماراتي وتأوهت لوقعها جبال الوطن، رقّة المعنى، همس الكلام، تعابير جسديّة تراود الباغي أن هيتُ لك، وألسنة تنفث زخات من العطرِ على من أمطرنا حممًا من السّماء، كأنما مسلخ الإمارات عيادة تجميل، لا ملحمة بشريّة.
إلى هؤلاء أقول، أنتم اليوم أحوج من النّساء إلى تدبر هذه الآية:
{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} .
وإلى الصّامتون خوفًا برقية: مما تخافون، فوالله ما مرّ على الإنسان أسوأ مما أنتم فيه اليوم.
وإلى الذين يداهنون طمعًا برقيتي الآخيرة:
قد جعل الله رزقكم في السّماء كيْلا تُطأطئوا رؤوسكم أبدا، فماذا فعلتم أنتم؟ أذقانكم إلى صدوركم كالأعلام المنكسة أوساط السَّواري، وألسنتكم إذ تسيل على لعاع الباغي لعابًا..
والختام لعنة التاريخ على من ولّى سماسرة الأراضي أمرنا، وقضيتنا تحرير أرضٍ لا بيع ما تبقّى.