المصالحة الخليجية بين الواقع والمأمول
الإثنين, 15 مارس, 2021 - 10:12 صباحاً

منذ "بيان العلا" في يناير/كانون ثان الماضي، والإقرار بالإجماع من قبل الدول الخليجية الست على ضرورة إنهاء الأزمة الخليجية وترميم البيت الخليجي، برز الدور القطري على الصعيدين الإقليمي والدولي بحراك دبلوماسي مكثف ومتعدد الجوانب لاستعادة دورها، سواء في التوسط في الصراعات، أو المشاركة مع الدول الفاعلة بحل الأزمات.
 
ولا تزال الكويت تواصل مهمة تقريب وجهات النظر بين قطر ودول المقاطعة الرباعية العربية، السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
 
وأرسل أمير الكويت نواف الأحمد الجابر الصباح في الأول من مارس/آذار الجاري، رسالتين إلى كل من سلطان عمان هيثم بن طارق، وملك البحرين حمد بن عيسى.
 
ويعتقد وفق وسائل إعلام عربية، أن الرسالتين تتعلقان بمواصلة دور الوسيط الذي لعبته الكويت منذ بدء الأزمة في يونيو/حزيران 2017، واستكمال هذا الدور بإنجاز المصالحة الخليجية الشاملة وتعزيز وتيرة العمل الخليجي المشترك، في ضوء نتائج "قمة العلا" التي عُقدت بالسعودية في 5 يناير/كانون ثان الماضي.
 
وكانت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر قد اتفقت في 5 يناير/كانون ثان الماضي، في قمة بمدينة العُلا بالسعودية على إعادة العلاقات الدبلوماسية والتجارية وروابط السفر مع الدوحة، بعد قطيعة استمرت منذ 5 يونيو/حزيران 2017، بسبب اتهامات لقطر بدعم الإرهاب، وهي تهمة نفتها الدوحة.
 
حاولت قطر الاستفادة من دروس الأزمة بتعميق استقلال قرارها السياسي والاقتصادي والأمني واعتباره جزءا من سيادتها.
 
في عام 2019، أعلنت قطر الانسحاب من منظمة "الأوبك" لإبراز نوع من الاستقلالية في قرارها الاقتصادي عن السعودية التي تتمتع بنفوذ واسع في المنظمة.
 
كما أن قطر رفضت الاستجابة لدعوات دول الرباعية العربية بتخفيض مستوى علاقاتها الدبلوماسية والأمنية مع إيران، وهو أحد أهم شروط تلك الدول لإنهاء الأزمة.
 
ويتعدى الدور القطري حدود مجلس التعاون الخليجي والدول العربية إلى أدوار أخرى إقليمية ودولية، يرى مراقبون أنها ستكون على أولويات السياسات الخارجية القطرية بعد المصالحة الخليجية ووصول جو بايدن إلى البيت الأبيض.
 
تلك الأدوار مثل إعلان قطر بدء جهود مصالحة إيرانية مع دول الخليج العربية، ومع الولايات المتحدة في ما يتعلق بالخلافات الأمريكية الإيرانية حول الملف النووي وقضايا أخرى لتخفيف حدة التوترات بالمنطقة.
 
وزار وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، طهران بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على إعلان "بيان العلا"، في إطار جهود الوساطة القطرية بين الولايات المتحدة وايران.
 
كما تبذل دولة قطر جهودا في التوسط لحل الخلافات في لبنان وجنوب السودان، وفي إثيوبيا حول الخلافات بشأن سد النهضة مع كل من مصر والسودان، بالإضافة إلى مواصلة جهودها في التوصل إلى تسوية شاملة للحرب في أفغانستان.
 
وعقد وفدا الإمارات وقطر أول اجتماع لهما في 22 فبراير/شباط الماضي في الكويت لمناقشة الآليات والإجراءات المشتركة لتنفيذ "بيان العُلا"، من أجل تطوير العمل الخليجي المشترك بما يحقق مصلحة دول مجلس التعاون ومواطنيها، وتحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة.
 
ويعتقد وزير الخارجية القطري، في مقابلة مع شبكة "بلومبرغ" الأمريكية في 20 يناير/كانون ثان الماضي، أن حل خلافات بلاده مع الإمارات لا يزال بحاجة لبعض الجهود الإضافية.
 
وكشفت وثيقة رسمية لمنظمة التجارة العالمية في يناير/كانون ثان الماضي، أن قطر علقت قضيتين كانت قد أقامتهما ضد الإمارات بالمنظمة، في تنفيذ من الدوحة لاستحقاقات "بيان العلا" بالسعودية، الذي تم خلاله إقرار مصالحة خليجية بين قطر ودول الحصار.
 
وتعتمد دول الرباعية العربية على ترتيب إجراء محادثات ثنائية بين كل دولة من هذه الدول ودولة قطر لحل القضايا الخلافية.
 
وبعث العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، رسالة شفوية نقلها وزير الخارجية فيصل بن فرحان إلى أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في 8 مارس/آذار الجاري، تتعلق بالعلاقات بين البلدين وسبل تعزيزها وأبرز المستجدات الإقليمية والدولية.
 
وأجرى وفد قطري دبلوماسي رفيع المستوى مباحثات في القاهرة في 9 مارس/آذار الجاري، لاستكمال المشاورات الخاصة بتنفيذ التزامات "بيان العلا"، واستكمال عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين، بعد أيام من لقاء وزيري خارجية قطر ومصر على هامش اجتماعات الجامعة العربية في دورتها الـ155 على مستوى وزراء الخارجية، والتي تسلمت قطر رئاسة الدورة الحالية لها.
 
وأعلنت الخارجية المصرية في 20 يناير/كانون ثان الماضي، أن القاهرة والدوحة، اتفقتا بموجب مذكرتين رسميتين، على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما.
 
وسبق لوفدين من قطر ومصر أن التقيا في الكويت في 23 فبراير/شباط الماضي، هو الأول منذ "بيان العلا".
 
ولا تزال المصالحة الخليجية تتقدم بشكل متأنٍ بعد فتح الحدود والأجواء بين الدول الأربع ودولة قطر.
 
وكان مندوبا قطر والسعودية لدى الأمم المتحدة في نيويورك قد اجتمعا في 13 فبراير/شباط الماضي في أول لقاء رسمي سعودي قطري بعد "بيان العلا"، استعرضا خلاله العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيز التعاون والتنسيق في القضايا المشتركة في أروقة الأمم المتحدة.
 
وبثت قناة الجزيرة القطرية في 3 فبراير/شباط الماضي، مقطع فيديو يوثق لحظة رفع العلم القطري في مبنى السفارة القطرية في الرياض، لأول مرة بعد الأزمة الخليجية.
 
وتحدثت وسائل إعلام غربية عن "شكوك" بحرينية حول المصالحة الخليجية بعد أسابيع من "بيان العلا".
 
واعتقلت السلطات البحرينية في 21 يناير/كانون ثان الماضي عددا من المواطنين القطريين أثناء محاولتهم دخول أراضيها قادمين من السعودية عبر جسر الملك فهد الذي يربط بين البلدين.
 
وكانت البحرين قد أعلنت بعد نحو أسبوع من "بيان العلا" أنها وجهت دعوة إلى قطر لإرسال وفد إليها لبدء المباحثات الثنائية بين الجانبين حيال القضايا "المعلقة"، هي الأولى من نوعها لتفعيل إعلان المصالحة الخليجية.
 
ومن المرجح أن تثمر الجهود القطرية بعد إقرار المصالحة الخليجية عن تخفيف حدة الخلافات بين عدد من الدول الخليجية وكل من إيران التي كانت علاقاتها مع قطر سببا من أسباب اندلاع الأزمة في يونيو/حزيران 2017، وكذلك مع تركيا التي اتخذت موقفا مساندا لدولة قطر أثار حفيظة الدول الأربع.
 
ويتوقع أن تستمر خطوات تطبيع العلاقات بين دولة قطر والدول الأخرى لفترة طويلة نسبيا قبل عودتها إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، مع وجود خلافات حقيقية وتباين في وجهات النظر حول ملفات حساسة، مثل دعم حركات الإسلام السياسي، والعلاقات مع كل من إيران وتركيا.
 
بالإضافة إلى خطاب قناة الجزيرة الإعلامي الذي فجّر أزمة جديدة هذه الأيام بعد بث برنامج رأت فيه البحرين أنه "يتنافى مع روح ومبادئ بيان قمة العلا"، وتضمن ما وصفته المنامة بأنه "معلومات كاذبة وادعاءات باطلة".
 
ستكون الدول الخمس المعنية ببيان "قمة العلا" بحاجة إلى المزيد من التنسيق والخطوات المتبادلة لإعادة بناء الثقة، والاتفاق على رؤية مشتركة حول العديد من الملفات في المنطقة، خاصة بين قطر والإمارات.
 
ولا تستبعد أوساط عربية وأجنبية احتمالات نشوب خلافات بين قطر والدول الأخرى، طالما أن "بيان العلا" لم يتطرق للأسباب "الجوهرية" التي أدت إلى الأزمة، والتي تمسكت خلالها قطر بالحفاظ على قرارها المستقل وعدم القبول بالإملاءات أو الشروط التي تقدمت بها الدول الأربع، وعدم تغيير سياساتها تجاه إيران أو تركيا، أو الخطاب الإعلامي لقناة الجزيرة، أو العلاقة مع حركات الإسلام السياسي وقضايا أخرى.

* نقلا عن الأناضول

التعليقات