قصة الجنوب العربي !!
الخميس, 06 يناير, 2022 - 07:30 مساءً

قبل المندوب السامي في عدن السير " برنارد رايلي " ، لم أعثر عن مخطوطة أو مدونة أو جريدة أو مؤلف تحدث عن الجنوب العربي ، وأزيد وأؤكد هنا أن السيد برنارد كان أول من طرح فكرة انشاء اتحاد لإمارات جنوب الجزيرة العربية عام 1925م.
 
وحين عُدت إلى مؤلفات المؤرخين وكذا دكاترة التاريخ المتخصصين الباحثين في أسفار تاريخ اليمن قديمه وحديثه فإنني خلصت إلى نتيجة واحدة وهي أن الجنوب العربي يعد أسمًا حديثًا وبدأ تداوله ولأول مرة منتصف عشرينيات القرن المنصرم وإلى أن طوي ذكره بعيد استقلال الدولة الجنوبية وإعلان مسماها يوم 30 نوفمبر 1967م .
 
والراجح أن فكرة المندوب السامي لم يكتب لها النجاح ، بسبب رفض الأمراء والسلاطين والمشايخ الذين خشوا أن يُنزع منهم سلطانهم ، فظلَّت الفكرة مهملة ، أو مؤجلة لفترة زمنية ، خاصة مع تطور الأحداث الدراماتيكية الناتجة عن الحرب الكونية الثانية .
 
عادت الفكرة ثانية وثالثة في هزيع الخمسينيات، وإن تبدلَّت تلك المسميات وإلى أن استقرت في النهاية عند مسمى اتحاد الجنوب العربي ، تمهيدًا لإنضمام مستعمرة عدن فيه مطلع العام 1963م .
 
وما هو معلوم وموثق أن فكرة الإتحاد التي دعا لها السيد " برنارد رايلي " المندوب السامي البريطاني في عدن مثَّلت رغبة بريطانية للسيطرة السياسية على مجمل الكيانات بحيث تكون هناك حكومة واحدة لكامل السكان في عموم مساحة الجنوب المتعارف عليها بالمحميات الغربية والشرقية بدلًا من التعامل مع كيانات ذاتية مستقلة إداريًا وماليًا وعددها نيف العشرين سلطنة وإمارة ومشيخة .
 
وبرغم تقدمية الرؤية مقارنة برجعية الكيانات القائمة إلّا أن الحُكَّام الذين هم أقرب للنظام الإقطاعي تعاطوا مع الرؤية باسترابة وحذر ، إذ رأوا فيها منازعة لحكمهم ، إن لم نقل أن البعض رفضها جملة وتفصيلًا ، ولولا رعاية انجلترا لما تجشَّم السلاطين والأمراء والمشايخ مجرد مناقشتها .
 
وأذكر هنا أن اتفاقيات الحماية هنالك من لم يوقعها مثل السلطان الرصاص في البيضاء ، وكذلك اتفاقية الاستشارة منتصف الأربعينات والتي رفض توقيعها أمير الضالع حيدرة بن نصر ، معتبرًا إياها سلبًا لسلطانه المطلق، فكان رفضه نهاية لحكمه وفراره إلى الشمال عام 1947م وتنصيب عمه ومن ثم نجله الأمير شعفل بن علي .
 
وعودة للموضوع فقد عُقد في الضالع مؤتمرًا لقبائل جنوب اليمن عام 1930م والذي رعته إنجلترا وانضم إليه سلطان لحج .
 
ولأن أوروبا انشغلت في أزماتها المتصاعدة بعد صعود 'أدولف هتلر " للحكم في ألمانيا عام 1934م وما تلاها من حرب عالمية ؛ فإن فكرة إتحاد إمارات جنوب الجزيرة طويت في ذاك الأثناء وإلى أن عاد طرحها ومن خلال حاكم مستعمرة عدن " توم هيكنبو تام " الذي كان أحد المبادرين لإنشاء الإتحاد .
 
طُرح مشروع الإتحاد لأول مرة وبشكل رسمي في 7 يناير 1954م وذلك في إجتماع عُقد في دار الحكومة البريطانية بحضور حاكم مستعمرة عدن ، توم هيكنبو تام ، وكذا حُكَّام المحمية الغربية الذين تربطهم ببريطانيا اتفاقية استشارة .
في هذا الإجتماع وضع الحاكم الخطوط العامة لمشروع الإتحاد الفيدرالي بين الإمارات والسلطنات والمشيخات ، لكن السلاطين والأمراء والمشايخ الحاضرين لم يستوعبوا بعد تلك الأفكار وقابلوها بفتور وشك وقلق .
 
وفي مارس عام 1956م طرحت فكرة الإتحاد للمرة الثالثة ولكن الحُكّام لم يكونوا مقتنعين بها ورأوا فيها تفريطًا بحكمهم ، ما جعل اجتماعهم ينفض دون تحقيق أي نتيجة ، إذ تم إرجاء المسألة لوقت اخر .
 
وفي عام 1958م بادر مجموعة من حكام الإمارات والسلطنات والمشيخات في المحمية الغربية وهم : شريف بيحان ، والنائب الفضلي ، والسلطان العوذلي ، بإجراء نقاشات حول مشروع تأسيس الإتحاد .
 
وفي يونيو 1958م انضم إليهم أمير الضالع، وشيخ العوالق العليا، وقام الحكام الخمسة بزيارة خاصة إلى لندن خلال شهري يونيو ويوليو 1958م ، لعقد مزيد من المباحثات مع الحكومة البريطانية.
 
وفي 16 يوليو 1958م توجت تلك المحادثات بإعلان الحكومة البريطانية موافقتها من حيث المبدأ على موضوع الإتحاد وعلى تقديم الدعم المالي والفني له، وجرى بعد ذلك إعداد مسودة مشروع دستور للإتحاد ومناقشته في عدن من قبل الوالي ورؤساء الولايات المؤسسة للإتحاد والتي شملت سلطنات يافع السفلى والفضلي والعوذلي واماراتي الضالع وبيحان ومشيخة العوالق العليا .
وفي 11 فبراير 1959م 3 شعبان 1378هجرية تم الاعلان رسميا في عدن عن تشكيل إتحاد إمارات الجنوب العربي من ست ولايات فقط، هي : إمارة بيحان، سلطنة العواذل، سلطنة الفضلي، إمارة الضالع، مشيخة العوالق العليا، سلطنة يافع السفلى..
 
وفي 28 سبتمبر 1959م تم وضع حجر الأساس لعاصمة الإتحاد الفيدرالي وأطلق عليها مدينة الإتحاد - مدينة الشعب حاليًا - .
 
وفي 5 اكتوبر 1959م انضمت سلطنة لحج ، مشكلة إضافة مهمة وقوية باعتبارها أهم الإمارات في المحمية الغربية من حيث عدد سكانها ومكانتها السياسية وبذلك أصبحت لحج العضو السابع .
 
وفي 12 مارس 1960م انضمت سلطنة العوالق السفلى، وكذا مشيخة العقارب ودثينة ليكون العدد 10 اعضاء..
 
وفي 18 مارس 1962م انضمت سلطنة الواحدي، بعد محادثات طويلة وهي الأولى من المحمية الشرقية ، والواحدي تنقسم إلى سلطنتين ، الداخلة في الاتحاد عاصمتها حبَّان، فيما الأخرى عاصمتها بير علي ، بقت خارج الإتحاد..
 
وفي 4 ابريل 1962م غُيِّر اسم إتحاد إمارات الجنوب العربي، باسم إتحاد الجنوب العربي، تمهيدا لإنضمام مستعمرة عدن إلى كيان الإتحاد .
 
وفي 18 يناير 1963م انضمت عدن في الاتحاد بوضع خاص وأصبحت الولاية ال 12 ، واعتبرت كدولة من دول الإتحاد منذ أول مارس 1963م بعد موافقة مجلس العموم البريطاني والمجلس التشريعي العدني والمجلس التشريعي الاتحادي.
 
وفي 30 مارس 1963م انضمت للإتحاد سلطنة الحواشب ، ومشيخة الشعيب ليصبح عدد الولايات 14 ولاية.
 
وفي فبراير 1965م وافق المجلس الإتحادي الأعلى لإنضمام ثلاثة مكونات هي سلطنة العوالق العليا، ومشيخة المفلحي ، ومشيخة العلوي ، ليصبح العدد 17 ولاية من مجموع 24 ولاية، بينها 19 ولاية في المحمية الغربية و5 ولايات في المحمية الشرقية...
 
بقت 7 ولايات خارج الاتحاد وهي : سلطنة الواحدي عاصمتها، بير علي، وسلطنة الكثيري سيئون حضرموت، وسلطنة القعيطي الشحر والمكلا ،وسلطنة المهرة، وثلاث مشيخات صغيرة في يافع العليا.
 
ختامًا ، أرجو أن أكون قد وفقت في إعطاء القارئ معلومة ضافية شافية عن مسمى الجنوب العربي ، معتمدًا المصادر التاريخية الوثيقة والمتداولة والمعتمدة ، وبكل موضوعية وشفافية ودونما أي حسابات ضيقة أو شطحات أو مغالطات .
 
طالبًا في ذات الوقت من المؤرخين والباحثين والمهتمين بتاريخ اليمن كي يقوموا بدورهم التنويري وان لا يتركوا جيل الحاضر عرضة لهذا العبث المشوه لتاريخ بلدهم .
 
فيكفي القول هنا أن حال البعض وصل لحد نكرانه لهويته اليمنية الواحدة ، ودونما تفريق ما بين أن تكون يمنيًا بهوية سياسية مختلفة باختلاف الدولة والنظام السياسي وبين أن تكون يمنيا بهوية ثقافية وتاريخية واحدة وأن تعددت الدول .
 
المصادر :

السياسة الاستعمارية في جنوب اليمن ، ل . فالكوفا ، ترجمة عمر الجاوي .
موسوعة يافع ، اليمن سلطنات وإمارات ومشيخات جنوب شبه الجزيرة العربية .
الامارات اليمنية الجنوبية 1937- 1947م نجيب سعيد أبو عز الدين .
إتحاد الجنوب العربي ، خلفية وأبعاد محاولة توحيد المحميات البريطانية في جنوب اليمن وأسباب فشلها 1954-1967م محمود علي السالمي .
الاستعمار البريطاني ومعركتنا العربية في جنوب اليمن ( عدن والإمارات ) قحطان محمد الشعبي .
ارضنا الطيبة ، هذا الجنوب ، عبد الرحمن جرجرة .
صفحات من تاريخ الضالع ، محسن احمد حسن الربوعي .
 

التعليقات