في ظل تصاعد المواجهة بين تحالف البحر الأحمر الذي تقوده الولايات المتحدة والحوثيين، ووسط مخاوف من اغلاق مضيق باب المندب امام حركة التجارية الدولية ، على خلفية العدوان الصهيوني على قطاع غزة جمدت خارطة السلام اليمنية التي أعلن عنها مبعوث الامم المتحدة في نهاية شهر ديسمبر الماضي ولا يعتقد أنها سترى النور قريبا كما كان منتظر.
وفي حين قال عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي إن خارطة السلام تجمدت مع بدء الضربات الأمريكية على مواقع الحوثيين، أكد محمد عبد السلام كبير المفاوضين الحوثيين في تصريحات جديدة أن مشروع الهدنة مع السعودية لا يزال مستمرا، وأنهم على تواصل إيجابي " مع الأشقاء في السعودية " والهدنة دائمة ومستمرة ونواصل الجهود في هذا الاتجاه.
وبعيدا عن التصريحات الايجابية للحوثيين والسعوديين تجاه الالتزام بما تم الاتفاق عليه من تفاهمات، إلا ان الدبلوماسيون والسياسيون يشككون في إمكانية التوقيع على خارطة الطريق المتفق عليها في ظل استمرار المواجهة الدائرة اليوم في البحر الأحمر وخليج عدن ، ذاك انه من المستحيل ان تتمكن الرياض من تجاوز الضغوط الأمريكية والمضي في اتفاق السلام خاصة وان الولايات المتحدة اقدمت على تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية.
و إلى ما قبل السابع من أكتوبر والعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة ، كانت المحادثات بين السعودية والحوثيين وبمشاركة عمانية فاعلة قد انتهت من وضع تصور شامل لاتفاق سلام في اليمن يشمل المرحلة الانتقالية وما بعدها ، وكانت الأطراف الثلاثة وبعيدا عن الحكومة المعترف بها دوليا تخوض في تفاصيل الاتفاق المرتقب. خاصة ما يتصل بصرف مرتبات الموظفين او ما يتصل بالحوار السياسي او فتح الطرقات ورفع كل القيود على المنافذ البرية والبحرية والجوية في كل ارجاء البلاد .
مع انتهاء العام 2023 كانت الرياض ومسقط وصنعاء ، تتأهب لتحديد موعد التوقيع على الخارطة والتي سيتم بموجبها الإعلان رسميا عن وقف الحرب وانتهاء التحالف الداعم للشرعية بقيادة السعودية ، وترك تفاصيل تعقيدات الملف اليمني الى مرحلة اخرى ستتولى الإشراف عليها الامم المتحدة ، تدخل معها الأطراف اليمنية في مناقشات من اجل انهاء انقسام البنك المركزي والعملة وعائدات الضرائب والجمارك وتصدير النفط والغاز والانتقال القضايا السياسية الأساسية المتعلقة بشكل الدولة وهيكلة التشكيلات المسلحة .
وبموجب تلك المقترحات فان الأطراف اليمنية ستتولى مهمة معالجة الملف السياسي بكل تشعباته سواء مطالب انفصال الجنوب او مقترحات الدولة الفيدرالية او تمسك الحوثيين بشكل الدولة البسيط الذي كان معمول به منذ قيام الجمهورية اليمنية في العام 1990 م . على ان يتم انجاز كل هذا خلال فترة عام يعقبها فترة انتقالية لمدة عامين.
ولهذا يمكن القول ان الإعلان الصادر عن المبعوث الاممي لايعكس اي نوع من الاتفاقات الملزمة ، ولكن يمكن اعتبارها رسالة تطمين للداخل والخارج بان جهود احياء السلام في اليمن مستمرة وان الوسطاء استطاعوا احراز تقدم مهم في هذا الجانب ، على ان يستمر الرجل وفريقه في وضع الية لتنفيذ تلك الخارطة مع تحديد مواعيد زمنية لكل بند من بنودها ، وبما يوفر ضمانا لتنفيذيها وتجنب تنصل اي طرف من التزاماته كما حدث في اتفاق الهدنة الذي ابرم قبل نحو عامين من الان.
وبدون الكشف عن تفاصيل هذه الالية وبالذات ما يتعلق بالية صرف المرتبات للموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين وفتح الطرقات بين المحافظات وبالذات إلى مدينة تعز ، فان التصعيد الاسرائيلي في فلسطين صرف الأنظار عن مناقشة تلك التفاصيل ، واعادت هذه الاحداث تشكيل الخارطة السياسية ، مع إعلان قطاع عريض من القوى السياسية تأييدها للخطوات التي اتخذها الحوثيين ، وإدانتها للضربات الأمريكية البريطانية باعتبارها انتهاكا للسيادة الوطنية.
وفي ظل تعنت الحكومة الصهيونية ورفضها كل المطالب الدولية بوقف عدوانها على قطاع غزة ، يمكن القول ان هذه التطورات ستشكل دافعا قويا لجهود السلام ، وبامكانها تجاوز كثير من العقبات وحالة انعدام الثقة وتمهد الطريق امام مصالحة يمنية عنوانها القضية الفلسطينية.