عندما نتحدث عن المسجد في حياة الناس في المهجر ، يتبادر إلى الذهن أنه مكان للعبادة وأداء الشعائر. هذا صحيح ، لكنه ليس كافيا. فالتربية مسؤولية الأسرة ، والتعليم تقوم به المدرسة ، أما المسجد فهو منبر للتوجيه والإرشاد ، مكان يعكس هموم المجتمع ، ويجب أن يكون قريبا من واقع الناس لا بعيدا عنه.
الخطيب على المنبر لا يكفي أن يكرر قصص بدر وأحد وقضايا عفى عليها الزمان ، ولا أن يسرد بطولات مضى عليها مئات السنين. المسلمون في أوروبا يعيشون واقعًا مختلفا تماما ، ويحتاجون خطابا يلامس قضاياهم اليومية ، خطابا يتحدث عن الجالية ، عن الأبناء ، عن كيفية الاندماج في المجتمع ، وعن التحديات التي تواجه المهاجرين في حياتهم اليومية.
المسجد يجب أن يوجه الناس إلى كيف يكون المسلم في المهجر مؤدبا ، نبيلا ، راقيا في أخلاقه. كيف يهتم بتعليمه ، ويطور نفسه ، ويستفيد من المزايا التي تقدمها الدولة المضيفة.
هذه الدول وفرت حياة كريمة ، وبيئة تعليمية متقدمة ، ومدارس مجانية ، ودعمًا لطلابها ، ومنحت فرصا لا تتوفر في كثير من بلدان الشرق الأوسط.
فلماذا لا يتحدث الخطيب عن هذا الواقع؟ لماذا لا يدعو الآباء إلى اغتنام هذه الفرص؟ ولماذا لا يشجع الأبناء على العلم والعمل بدل الانشغال بما يضر ولا ينفع؟
وأخطر ما يهدد الجاليات اليوم هو ضياع الأبناء. ضياعهم في الشوارع والحارات وعلى مداخل الأحياء. نراهم في تجمعات يبيعون الممنوعات ، أو يتسكعون بلا هدف ، ويهدرون أوقاتهم بلا فائدة. وهذه مشكلة بالغة الخطورة.
وهنا يطرح السؤال نفسه بقوة: أين دور المسجد؟ أين دور الخطيب؟ لماذا لا يتحدث عن هذه القضايا؟ لماذا لا ينبه الآباء والأمهات؟ لماذا لا يحذرهم من ترك أبنائهم يواجهون المجهول؟
المسجد في صورته المثلى ليس مكانا للصلاة فقط ، بل مؤسسة أخلاقية وتربوية ، ومنبر لتحذير الناس من الانحراف ، وحثهم على تحمل المسؤولية الأسرية.
بوسعه أن يخصص جزءا من خطبه ودروسه للحديث عن قضايا الشباب ، عن مخاطر الشارع ، وعن الأنشطة التي تشغل وقت الأبناء بما ينفع.
وعلى الأسرة أيضا الدور المناط بها ، فهي خط الدفاع الأول ضد الضياع. وعلى الآباء أن يعرفوا أصدقاء أبنائهم ، أن يتابعوا دراستهم ، أن يتحاوروا معهم بلا قسوة ولا تجاهل.
كثير من القصص المأساوية تبدأ من غياب كلمة ، أو من غياب متابعة، أو من غياب نصيحة، ثم تكبر حتى تصل إلى ترك الدراسة والانحراف وراء رفقاء السوء.
المسؤولية مشتركة.. المسجد مسؤول ، الأسرة مسؤولة ، والجالية كلها مسؤولة. حماية الأبناء من الشارع مسؤولية جماعية ، وتعزيز الأمن في البلد المضيف مسؤولية جماعية ، وتقديم صورة حسنة عن المهاجرين مسؤولية جماعية.
الدراسات الحديثة تؤكد أن الإهمال الأسري ، والبطالة ، والفراغ، وضعف الروابط العائلية ، هي من الأسباب الرئيسية لانجراف القاصرين إلى المخاطر. وصورة العربي في المهجر ليست مرهونة بما يقوله الإعلام فقط، بل بما يفعله الآباء داخل بيوتهم، وبما يطرحه الخطباء على منابرهم، وبما تعكسه الجاليات من التزام وحضور.
نحن مطالبون أن نكون سفراء لقيمنا وأخلاقنا وثقافتنا.
البلدان التي استضافت المهاجرين فتحت لهم أبواب العيش الكريم، وفرت لهم حياة مستقرة ، ودعمتهم بالتعليم والعمل. فلا مبرر لأن يرد بعض الأبناء الجميل بالانحراف أو بيع الممنوعات. بل الواجب أن يكون الرد بالنجاح، بالعلم ، بالعمل الشريف ، وبالمشاركة الإيجابية.
المسجد ، الأسرة ، المدرسة ، الجالية، كل طرف له دوره، والتكامل بينهم هو الطريق الوحيد لحماية الأبناء ، وهو السبيل ليبقى المسجد منارة ، والأسرة حصنا ، والمجتمع فضاء للخير والأمان.