شركاء متشاكسون
الاربعاء, 08 أكتوبر, 2025 - 01:57 مساءً

الشراكة صيغة من صيغ إدارة الحياة بكل تفاصيلها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهي من الصيغ التي ابتكرها الانسان واخترعها لإدارة شؤونه وقد نجحت في كثير من شؤون الحياة لاسيما الاقتصادية، وهي مثل غيرها من التجارب البشرية تحمل في طياتها عددا من الثغرات التي ينفذ منها الطامعون، فيفسدونها؛ لذلك تفشل عدد من تجارب الشراكة، ولعل أهم أسباب فشلها استغلالها من طرف من أطرافها صاحب هوى أو ضغينة، فيجيِّرها لمصالحه دون مراعاة لبقية الشركاء، فيضطر الشركاء لفظ الشراكة حتى ولو إلى الخسارة.
 
لكن الإنسان في تطوير فكرة الشراكة ابتكر عددا من الضمانات في طريق الحفاظ على هذا النظام الإنساني، وجاءات الشرائع بابتكار عدد من التشريعات للحفاظ على نظام الشراكة ،ففي الشريعة الإسلامية نقلت بعض صور الشركات إلى نظام آخر حدد تفاصيله الشارع بنصوص قطعية الدلالة غير قابلة للتغيير ، وهو نظام تقسيم التركات(الميراث)في ثنائيها السائدة أصحاب الفروض والعصبة ،وأغلق الباب أمام الأهواء وجعلها بنصوص محكمة – وإن وجد من يخالف ذلك  وإن كان نادرا- ونظَّم الفقهاء عددا من الشركات الاقتصادية مثل شركات الأموال، وشركات الوجوه وغيرها من صور الشركات التي حاول الفقه ابتكار ما ينظمها، واجتهد القانون الوضعي في ابتكار قوانين الشركات ونجح إلى حد كبير، وبموجب التشريعات والقوانين نشأ عدد كبير من الشركات التي نجح معظمها ،وفشل بعضها واستمر الإنسان في تطوير التشريعات لسد الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها أصحاب النفوس الحقيرة.
 
غير أن ثمة وصف ذكره القرآن في معرض ضرب الأمثال، قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (الزمر/29) الشاهد (شركاء متشاكسون) والمتشاكس والشكس سيء الأخلاق أناني الطباع، حقير التصرف، دنيء الموقف، منحرف التفكير والسلوك لا يرعى حرمة، ولا حدا من الحدود.
 
فإذا كانت هذه صفاته ويدخل في شراكة مصحوبا بشكسه، فالشركة منتهية، وفاشلة أو في طريقها للفشل، فإذا جمع إلى تلك الأخلاق ضعفا في الشخصية، وانعداما في الولاء للشركة أو ضعفا فيه، وتقبلا للتوجيه من خصوم الشركة والمتآمرين عليها، فإن الشركة لن تنجح وسيخرج الشركاء بخفي حنين، وسيلحق الشركة ضررا وفشلا ذريعا.
 
ومن المبتكرات العصرية فكرة الشراكة السياسية، وهي فكرة ممتازة من حيث التنظير، وقد يشيبها الشوائب عند التطبيق، ولكن عند فهمها وفق المصلحة العامة وتحكيمها وتقديمها على المصلحة الشخصية، فإنها تنجح وتثمر تطورا سياسيا، ولكنها تتضرر عند المزايدات، والمناكفات وتتحول إلى نكتة سمجة، فقد يأتي رأسا من الرؤوس وبتكلم عنها ويرفع صوته بالقول: إننا في شراكة سياسية في حين أن القرارات السياسية والاقتصادية لا تتعدى شخصه من حيث مصدر القرار، ولا تتعدى أسرته أو المقربين منه من حيث المستفيد، ويصدع الرؤوس بفكرة الشراكة السياسية.
 
ومن غرائب الشراكات السياسية أن يجتمع الشكس وربما معه غير ه ممن ليس بشكس في شراكة واحدة، ثم يتصرف (أعني الشكس) وكأنه المتصرف ولا غيره ثم يدعو للشراكة السياسية واحترامها.
 
وبناء عليه، فإن الشركة التي يجتمع فيها عدد من الرؤوس ممن يحملون صفة (الشكس) ولو جمعوا إليهم غير الشكس نهايتها خراب ودمار تصل أحيانا إلى الحرب أو القتل -غالبا- لبعضهم من قبل البعض، ونماذج التاريخ والحاضر كثيرة، فلو تأخر عبد الملك بن مرون لتقدم عبد الرحمن الأشدق، ولو تأخر أبو جعفر المنصور لتقدم أبو مسلم الخرساني، ولو تأخر هارون الرشيد لتقدم يحي البرمكي، ولو تأخر الظاهر بيبرس لتقدم سيف الدين قطز، وهكذا...
 
وسلامتكم.
 

التعليقات