المهاجرون الأفارقة في اليمن.. بين الرحلة والمصير
الثلاثاء, 04 نوفمبر, 2025 - 09:13 مساءً

على السواحل اليمنية الممتدة من باب المندب حتى المهرة، لا تتوقف قوارب المهاجرين الأفارقة عن الإبحار، حاملة على متنها وجوهًا أنهكها الخوف والأمل في آن واحد، وجوهٌ تبحث عن فرصة حياة جديدة، لكنها كثيرًا ما تجد الموت في طريقها، أو مصيرًا مجهولًا في بلد لم يتعافَ بعد من حرب تمزقه منذ أكثر من عقد من الزمن.
 
في الأيام الماضية، ضبطت قوات خفر السواحل اليمنية قاربًا صغيرًا في باب المندب على متنه واحد وأربعون مهاجرًا أفريقيًا، بينهم نساء وأطفال، حاول المهربون نقلهم عبر البحر إلى الأراضي اليمنية.
 
كانت تلك الرحلة واحدة من مئات الرحلات التي تبدأ بالوعد وتنتهي بالمأساة؛ فالقارب الذي يفترض أن يحملهم إلى برّ الأمان، قد يتحول إلى تابوت عائم، تحكمه أمواج البحر ومزاج المهرّبين.
 
ومع أن السلطات اليمنية قدمت للمهاجرين الرعاية الأولية وأحالت المتورطين في التهريب إلى التحقيق - وفق بيان وزارة الداخلية المعترف بها دوليًا-؛ إلا أن حجم الظاهرة يتجاوز حدود المعالجة الأمنية، إذ تتشابك فيها حالة الفقر والجوع والحرب والجغرافيا القاسية.
 
في المقابل، تكشف الأرقام الصادرة عن منظمة الهجرة الدولية جانبًا آخر من الصورة، إذ سجل شهر سبتمبر الماضي وصول أكثر من ثمانية آلاف وثمانمائة مهاجر أفريقي إلى اليمن، بزيادة تقارب سبعةً وعشرين في المئة عن شهر أغسطس الماضي.
 
جاء أكثر من نصف هؤلاء من الصومال عبر خليج عدن إلى سواحل أبين وشبوة، فيما وصل آخرون من جيبوتي إلى تعز والمهرة، وبين هؤلاء المهاجرين كانت الغالبية من الرجال بنسبة تجاوزت سبعين في المئة، فيما مثّل الأطفال والنساء أقل من الثلث، وهي أرقام تكشف عن حجم التدفق المستمر رغم كل المخاطر، وعن واقع لم تردعه الحرب ولا التحذيرات ولا الغرق.
 
لكن في الجهة الأخرى من المشهد، هناك من اختار العودة بعد سنوات من التيه، فقد أعادت مفوضية شؤون اللاجئين مؤخرًا مئةً وثمانيةً وأربعين لاجئًا صوماليًا إلى بلادهم ضمن برنامج العودة الطوعية، بعد أن نظّمت رحلة بحرية وأخرى جوية من عدن إلى مقديشو وبربرة.
 
برنامج العودة، جزء من جهود أممية بدأت منذ عام 2017، حيث تمكنت المفوضية من مساعدة أكثر من ثمانية آلاف وخمس مئة لاجئ على العودة إلى ديارهم بدعم من الحكومة السويدية، مع تقديم الرعاية الطبية والنفسية والمادية لهم.
 
وبين آلاف الوافدين الجدد ومئات العائدين، تتضح المفارقة القاسية أكثر من ثمانية آلاف يأتون في شهرٍ واحد، بينما يعود أقل من مئتين في الشهر ذاته، توازن مختلّ يكشف عن عمق الأزمة الإنسانية في القرن الأفريقي، وعن استحالة كبح موجات الهجرة ما لم تُعالج جذور الفقر والصراع في بلدان المنشأ.
 
فاليمن، رغم هشاشته وانقسامه وأزماته المتراكمة، ما يزال يستضيف أكثر من 61 ألف لاجئ وطالب لجوء، معظمهم من الصومال، في بلد لا يكاد يجد ما يكفي أبناءه من الغذاء والدواء والكهرباء.
 
فالهجرة غير الشرعية، ظاهرة مركّبة ترتبط فيها المصالح بالمعاناة، فالقوارب التي تبحر ليلًا محمّلة بأحلام الفقراء، لا تحمل فقط أجسادهم، بل تحمل فشل العالم في بناء نظام أكثر عدلًا وإنسانية، وضحايا اختنق بهم البرّ، فاختاروا المجهول على البقاء في واقع ميّت.
 
وفي بلد يعيش أزماته الخاصة مثل اليمن، تتضاعف المأساة، فالدولة التي تكافح لإنقاذ اقتصادها المتهالك وأمنها المنهك، تجد نفسها أمام تحد جديد لا تملك أدواته كاملة، تأمين السواحل، مكافحة التهريب، حماية المهاجرين، والتعامل مع أعباء إنسانية تفوق طاقتها.
 
وبينما يستمر البحر في استقبال المزيد من القوارب، يبقى الأمل الوحيد أن يتحول هذا الملف من مجرد أخبارٍ متفرقة إلى قضية إنسانية وإقليمية تُدار بوعي ومسؤولية، قبل أن تبتلع الأمواج أحلامًا أخرى، وقبل أن يتحول البحر إلى شاهد أبكم على جريمة يتواطأ فيها الصمت مع العجز.
 

التعليقات