قد يكون إنزال علم الجمهورية اليمنية الرسمي عن الدوائر والمباني الحكومية في مناطق مختلفة من جنوب اليمن، واستبداله بالعلم الذي يمثل الجنوب، هو أحد أبكر الإشارات الإجرائية على نوايا «المجلس الانتقالي الجنوبي» لإتمام خطوة إضافية معلنة على درب الانفصال وتقسيم اليمن وإعادة البلاد إلى حالة الانشطار خلال الفترة بين 1967 و1990.
لكن المؤشرات الأقوى والأكثر خطورة ومغزى وقعت قبل أيام حين تحركت قوات «الانتقالي» للسيطرة عسكرياً على مناطق واسعة في الجنوب، شملت عدن ومطارها، والمهرة، والقصر الرئاسي وسيئون ومطار الغيضة، في تكرار لسيناريو مشابه سبق أن شهدته مدن ومناطق شبوة وسقطرى وأبين. بذلك باتت في حكم المنسلخة عملياً عن الكيان اليمني الموحد كامل موانئ جنوب وشرق البلاد وجزرها ومعظم سواحلها، من ميناء المخا في الغرب وحتى ميناء نشطون في الشرق، فضلاً عن مناطق الثروة النفطية.
مؤشر آخر جدير بالانتباه هو أن غالبية أعضاء الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً غادروا مدينة عدن تلقائياً، رغم أنها تشكلت طبقاً لاتفاق الرياض سنة 2019 ويشارك فيها «الانتقالي» أيضاً، كما يشغل زعيمه عيدروس الزبيدي منصب نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي منذ ربيع عام 2022. وبالموازاة مع هذا التنازل شبه الجماعي عن السلطة، لم تلجأ قوات المنطقة الأولى الحكومية إلى مواجهة تمدد «الانتقالي» عسكرياً، وعمد اللواء 12 إلى تسليم منشأة العقلة النفطية ومغادرتها.
مؤشر ثالث هام تمثل في موقف قوات «درع الوطن» المدعومة أصلاً من السعودية، إذ خرجت هذه من عدن والمهرة دون قتال أو اعتراض، وأفسحت المجال أمام تقدم أعداد هائلة من ميليشيات «الانتقالي» وآلياته المدرعة، التي زحفت كذلك صوب الحدود اليمنية مع السعودية. ولعل ذلك قد سجّل عدم رغبة الرياض في الدخول عسكرياً على خطط لا ينفذها «الانتقالي» بمعزل عن ضوء أخضر وتشجيع من راعيه الأبرز في أبو ظبي.
ومن جانب آخر فإن احتضان الرياض لاجتماع رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني مع سفراء الدول الراعية للعملية السلمية في اليمن، حيث اعتبر أن تحركات «الانتقالي» العسكرية الأخيرة خرق صريح لمرجعيات المرحلة الانتقالية وتهديد لوحدة القرار الأمني والعسكري وتقويض لسلطة الحكومة الشرعية، يدل مجدداً على أن السعودية ليست متوافقة تماماً مع الخيارات الإماراتية في عمليات «عاصفة الحزم» عموماً، وسياسات أبو ظبي في رعاية «الانتقالي» وتطور الأوضاع في الجنوب اليمني خصوصاً.
ويبقى صحيحاً بالطبع أن اليمن يعاني من أنساق تشرذم عديدة خلقت أكثر من فجوة بين شمال البلاد وجنوبها، كما تبلورت أكثر بعد سنة 2014 حين سيطر الحوثيون على العاصمة ومناطق واسعة في الشمال، وأسفر حراك الجنوب عن تشكيل «الانتقالي» في سنة 2017 وتحوله إلى مكوّن أساسي للنفوذ الإماراتي. غير أن التحركات الأخيرة في عدن والمهرة قد لا تعكس حال انتقال إلى ما هو خير لليمن شمالاً وجنوباً، بقدر ما تقطع خطوة أخرى إضافية على طريق الانفصال.
*نقلا عن القدس العربي