كان البعض يتمعر غضباً ولا يتقبل القول إذا ما قيل له بأن العسكرية اليمنية وغيرها من الجيوش العربية عبارة عن أصنام قابلة للإستهلاك, وليس لبناءها والانفاق عليها أي هدف استراتيجي ينبثق من عقيدة قتالية وطنية واضحة، وبعد أن تتالت الخطوب وتعدت الصراعات أثبتت الأيام أن ما كان يقال، له من الصحة في الواقع نصيب.
ذلك أن تلك العسكريات صارت وبالاً على الشعوب ومعول هدم وفناء وسلاحاً فتاكاً بيد الحاكم يستخدمه لإخماد الثورات الشعبية حينما يتراءى له ذلك, ويقتل شعبه بسلاحه الذي تم شراءه من قوته وعرق جبينه, واستقطعت ميزانياته على حساب خدماته الضرورية وبناه التحتية، كما قال الرئيس السابق علي صالح على قناة الجزيرة يوماً من الأيام.
وما يجري في سوريا واليمن ومصر وليبيا اليوم يصدق ذلك ولا يعارضه, فقد تكونت قوى السلطات التي احتكرت امتلاك السلاح والتشكيلات العسكرية العربية وظلت حريصة على شراءه وخزنه واستخدامه في معاركها السياسية اللامتناهية ولم يجمع تلك القوى سوى السلاح وحب السلطة, فتلك خياراتها الوحيدة التي تستند عليها في التمسك بما تعتقد أنه حقها التاريخي في الحكم مستندة على رؤى مذهبية أو جهوية حتى وعياً وثقافةً تتنافى مع ثقافة السلم والرخاء الاجتماعي عند غالبية الجماهير وذلك لأن العقائد القتالية لتلك الجيوش واليمن على وجه التحديد لم تُبنَ بناءً وطنياً خالصاً وصحيحاً بل بناءً مسخاً فكرياً شابه الكثير من القصور والتشوهات وعلى أسس غير صحيحة, بخلاف ما قدمه فريق أسس بناء الجيش الوطني اليمني في الجلسة العامة الختامية لمؤتمر الحوار الشامل والتي أكدت على أن القوات المسلحة ملك الشعب، مهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنه، ووحدة وسلامة سيادته وأراضيه، ونظامه الجمهوري, ويحظر على أي فرد أو هيئة أو حزب أو جهة أو جماعة أو تنظيم أو قبيلة إنشاء أي تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية تحت أي عنوان أو مسمى.
بيد أن البلدان المتقدمة تبني جيوشها وفقاً لاستراتيجيات وطنية واضحة وعقائد عسكرية نابعة من صميم الإراداة الوطنية المخلصة الخادمة للشعوب والحامية لأمنها وسيادتها, ولا تخوض هذه المعارك إلا دفاعاً عن أراضيها أو في مناطق نفوذها لحماية مصالحها الإقتصادية، وهذا ناجم عن وعيها الراسخ بأن المواطن هو المصدر الأصيل الداعم لها لوجستياً ومعنوياً فغدت حمايته وحماية إرادته من صميم مهامها وغاية وجودها نابعة من قناعة مخلصة ورضاء جميل.
وأصبحت تدرك أن اشتراك جيوشها في الصراعات السياسية الداخلية بين الساسة وصناع القرار التي لا تبنى على الشورى ولا تطبق الديمقراطية، محرم وجريمة جنائية وأخلاقية يعاقب عليها القانون, بدليل تحريم معظم صانعي التشريعات في العالم ومنهم اليمن ممارسة العمل الحزبي لمنتسبي القوات المسلحة والأمن والمخابرات وجرم أي نشاط لصالح أي حزب سياسي، أو تنظيم أو جماعة سياسية في أوساط القوات المسلحة والأمن والمخابرات.
وختاماً يتوجب على صانعي القرار في الدول النامية على وجه التحديد، التركيز على بناء الانسان المعافى من الجانبين الفسيولوجي والسيكولوجي, من خلال تقليص ميزانياتهم الدفاعية وتحديدها بالقدر الذي يفي بحماية أمن البلد وسيادته، وصب باقي مواردهم الاقتصادية في خاناتها الخدمية ومشاريعها الإنمائية, فبناء الإنسان هو الأهم, ولأنها مهما أحكمت بناء جيوشها وطورت تسليحها لن تصل إلى ما وصلت اليه دول العالم المتقدم, ولأن القوانين الدولية تكفلت بحماية سيادة أعضاء الأسرة الدولية والدفاع عنها.