لم يبكوا أمام شعوبهم ولم ينحنوا إجلالاً لهم، وتناسوا بأنهم ملّكوهم أمرهم، بل صنعوا المفازاة في وجوههم، وعززوا كتائب الحراسات لحماية أنفسهم منهم، بعد ارتكاب البوائق، فقضّت مضاجعهم، وصار عشاق السلطة، ومحبي الكراسي، يجهشون بالبكاء، منتحبين على قبور قتلت الأطفال والنساء في فلسطين وليست المرة الأولى، بل سبقها ملك الهاشمية الأردني الملك حسين عندما أغرق شماغه دموعاً في تل أبيب جزعاً على الهالك إسحاق رابين الذي راح ضحية أحد الإرهابيين اليهود.
بينما اليهود وحلفاؤهم المجوس يسكرون طرباً ويحتفلون صخباً عند غياب أو رحيل أحد الزعامات العربية، نعم احتفلت اسرائيل عندما رحل جمال عبد الناصر واعتبرته عيداً ونصراً أما صدام حسين آخر القامات العربية فلقد بلغت مساحة فرحة موته الآفاق عند أولئك وأذنابهم، وكانت أنكى وأبكى في أوساط الجماهير العربية المحبة لمعاني القوة وعشاق الكرامة.
نعم لهم القوة والعزة والنفوذ والقيمة الدولية وللقادة العرب البكاء على جنائزهم في حين يتضور فقراءهم جوعاً على أبوابهم ويموت المرضى على عتبات المشافي التي تفتقر إلى أدنى وسائل الخدمات الطبية.
واليوم تتكرر مأساة السقوط والمهانة التي لو قُدِّر لعبد الناصر أن يطل من مرقده الأزلي ليرى السيسي الذي اعتبره الكثيرين الحامل لراية القومية العربية من بعده، ووزير خارجيته ينتحبون باكين على موت "بيريز" القاتل الآخر لأطفال فلسطين وهادم المساكن والمساجد والمآذن.
لقد صار غير العرب أَشَمْ وأحن وأغير على العرب من سلطاتهم مُريقي دماء شعوبهم، نعم صار الأتراك وأردغانهم أشفق وأرحم بالسوريين من جلاديهم والحضن الدافئ للسوريين اللاجئين الذين أغلقت حدود واراضي الدول العربية في وجوههم، والحامل الأكبر لهموم القضية الفلسطينية من الفلسطينين والعرب أنفسهم.
وعلى إثر ذلك السقوط صار الفرس التاجر الأبشع والأجشع بقضايا المسلمين والعرب في المنطقة وصار مزادهم المعلن مع قضايا المسلمين وسوقهم الليلي مع أعدائهم ضدهم، وصارت سلعة العروبة والإسلام رديئة الجودة رخيصة الثمن عندهم لأن صانعيها ومنتجيها فقراء الفكر والرجولة والدين والهوية، وأصبحوا يتقاتلون على بقايا حقل نفط أو سهل أو تل على حدودهم وحراب الأعداء والمتربصين بهم على نحورهم.
حتى أنّ أموال العرب كُدِّست في بنوك خصومهم والفقر يفتك بأبناء جلدتهم بل واستخدموها ورقة إذلال يبرزونها عندما تخرج الشعوب عن طوعهم، كما استخدمت تلك الأموال لإسقاط الرئيس مرسي حلم المصريين النابع من قلوبهم وحامل فكر التغيير المعادي لفكر الثورة الإيراني وتمدده لإسقاط ما تبقى من قِلاعْ العروبة وتاريخها المنهك والمنتهك، حكام هانوا فسهُل عليهم الهوان واستعذب الآخرين إذلالهم.
وعوداً إلى سقوطهم وبكاء بعض قادة العرب الذين كانوا مثاراً للسخرية والتقزز، فقد أُعتبرت تلك الدموع سنداً لبقائهم في الحكم واعتبارها بديلاً عن الديمقراطية التي هي خيار الشعوب ومبدأ التبادل السلمي للسلطة ومطلبها الرئيس، وتلك سنة الطغاة ومنهجية حكم عبروا إليها إما على دبابات الغازي أو خرجوا لها من بطون صناديق الاقتراع والإنتخابات المزورة.
أما السقطة الحرة التي قفزها مؤخراً السعيم على صالح متجاوزاً حائط الشقيقة الذي سانده وحماه طيلة فترة حكمه، ليقع في أحضان عبدت النار المنطفئة كذباً، والمشتعلة حقيقة في عروقهم ودماءهم، فكانت مخبراً كيميائياً كشف مدى التعفن الذي أخفاه الرجل في أحشائه زمناً طويلاً مدلساً على شعبه الوفي وملتحفاً عباءة الوطنية وحب النظام الجمهوري.
سقطةً حملت كل معاني السقوط وأبعاده الدينية والأخلاقية متجاوزة كل معاني الحلال والحرام والتي أذهلت الشياطين، فاتخذوها دروساً وعِبراً في الكذب، ولعب أدوار الكوميديا والتراجيديا ورقص الباليه على رؤؤس الثعابين حد قوله.
تناسى علي صالح عرْقه وأهرق دماء أبناء جلدته وعمومته أبناء صعدة وعمران، ذمار، مدحج تعز يافع ردفان أبين حتى أراضي المهرة الساحلية الحميرية سلائل قحطان، قتل أبناء العمومة والدم، وهم من جعلوه عليهم أميراً والحكم، فأهدر كرامتهم قرباناً لشياطين السلطة والهوى.
رحم الله الشاعر محمود مفلح الذي حاكم هؤلاء القادة بعدما تخلوا عن مجد العرب
عربٌ نحن؟ قال لي قلت كلا****قال والمجد؟ قلت ماضٍ تولى
قال لا تنكر الجذور ولا**** ترشق بهذا الهراء قدحاً معلى
إننا أمة يليق بها المجد****أما أرضعته بالأمس طفلا
وجرى إثرها ودار حواليها*****شغوفاً عن أمه ما تخلى
ملعباً للنجوم كانت****روابينا من الشمس أعلى
نحن من رصع الزمان شموساً**** وأحال الرمال ماءً وظلا