في بداية حديثنا عن الصعلكة السياسية عموماً وعن الصعلكة السياسية الأمريكية خصوصاً نود توضيح بأن التناولة لمعنى الصعلكة سيكون بمعناها الحديث والشايع أي البلطجة أو امتهان السلوك الساقط، وليس المعنى العربي الأصيل لكلمة الصعلكة التي تعني الفقر والصعلوك هو الرجل الفقير وقد أطلق في تاريخ الأدب العربي على الشعراء الفقراء بالشعراء الصعاليك أي الفقراء.
وذلك لتناسب معنى الصعلكة مع جرائم القتل والإبادة التي ترتكب بطريقةٍ بشعة في اليمن وغيرها من الدول خدمةً للسياسة، كما أن نهر الدماء الذي بدأ يتدفق من مران صعدة عام 2004م وصل إلى كل أنحاء الوطن محرقاً معه كل قلوب اليمنيين وأرواحهم إذ لم يتبقى بيت في اليمن إلا وأثخنته الجراح المادية أو المعنوية خدمةً للسياسة وشياطينها.
أما المثال الأكبر والأعمق للصعلكة الأمريكية هو سلوك أسلاف الصعاليك الأمريكيين الأوئل الذين أطلقوا من السجون البريطانية والأوروبية واستوطنوا القارة الأمريكية إبان اكتشافها فارتكبوا الجرائم الأخلاقية والسياسية والإنسانية والدولية بطرق مباشرة وغير مباشرة وعلى كل المستويات.
فعلى المستوى الشخصي: إرتكب الرؤساء الأمريكيون صانعي القرار الأمريكي المتحكم بمصائر العالم جرائم تحرش وعلاقات جنسية غير مشروعة على سبيل المثال لا الحصر الرئيس كلنتون الذي أعترف أمام العالم بعلاقة من ذلك القبيل معتذراً للشعب الأمريكي عن كذبه على الشعب الأمريكي بعد إدانته لا عن سلوكه المشين.
مؤخراً زوجة المرشح الجمهوري للإنتخابات الرئاسية الأميركية "دونالد ترامب" طلبت من الشعب الأمريكي المغفرة لزوجها عن تصريحاته غير المقبولة والبذيئة وقالت في بيان “الكلمات التي استخدمها زوجي هي برأيي غير مقبولة وبذيئة، وهي لا تمثل الرجل الذي أعرف في إشارة الى فيديو يعود الى العام 2005 حين كان ترامب رجل أعمال ونجما تلفزيونيا عمره 59 عاما، يروي فيه بكلام بذيء ومهين أسلوبه في التحرش بالنساء بطريقة مهينة.
على المستوى الإنساني: ارتكبوا الجرائم الإنسانية اللا محدودة ضد سكان قارتهم الأصليين وبالأفارقة الذين كان يتم خطفهم وتقيدهم كالحيوانات وترحيلهم إلى أمريكا للعمل مع الإقطاعيين في استصلاح الأرض وتشغيلهم في ظروف جغرافية ومناخية قاسية، فكان من لم تمُتِه ظروف العمل القاسية وصعوبة الحياة يموت بسياط الصعاليك الأمريكان ورصاصاتهم.
فامتهن أولئك الصعلكة عبر تاريخهم وفي كل حروبهم الأهلية مروراً بحروبهم الخارجية بداءً بالحرب العالمية الثانية وضرب اليابان بالقنابل النووية التي أحرقت نجازاكي وهوريشيما ومروراً بالحرب الفيتنامية والكورية ووصولاً إلى حروب العراق والشرق الأوسط وانتهاء بقتلهم للأبريا في اليمن وأفغانسان خارج نطاق القانون عن طريق طائرات الدرونز بحجة محاربة الإرهاب.
ولا زالت كلمات محمد سعيد الصحاف وزير الاعلام العراقي إبان الغزو الأمريكي للعراق تشنف آذاني وهو يصف وزير الدفاع الأمريكي "رامزفلد" بالصعلوك بسبب تضليله للرأي العام العالمي ودعواهم بأن الحرب قامت بسبب امتلاك العراق لأسلحة كيميائية، الإدعاء الذي اتضح كذبه بعد الحرب وتدمير العراق ومجيء بوش على إثرها إلى بغداد للإعتذار للشعب العراقي على ثبوت كذب دعواهم المتعلقة بالسلاح النووي، وأنها كانت باطلة وغير صحيحة فطار حينها حذاء الزيدي نحو رأسه لولا أنه أماله وتحاشى الصفعة، كانت تلك "صعلكةً" أودت بمقتل وتشريد شعب وخراب أمة.
في الوقت الذي أعلن فيه البنتاغون عام 2001 بناء مصنعاً للجراثيم مزوداً بتجهيزات لصناعة جراثيم فتاكة تكفي لإبادة مدن بأكملها وقد بني ذلك المصنع دون علم من الكنجرس متجاوزين بذلك ميثاق الأمم المتحدة والرجوع إليه والذي جاء انتهاكاً للقانون الدولي برمته، وفقاً لما أوردته الدراسة التي أجراها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية 2010 والتي جاءت بعنوان السياسة الأمريكية تجاه صراعات القرن الافريقي.
ولا زلت أتذكر عبارة أستاذي الدكتور علي الشرفي عندما وصف تصرف أمريكا بـ"الصعلكة الدولية" في معرض حديثه عن قضية إسقاط الطائرة الأمريكية والتي اتهمت فيها ليبيا وعرفت بعدها بقضية "لوكربي" إذ طالبت الإدارة الأمريكية حينها ليبيا مبلغ 10 مليار دولار من تحت الطاولة للسكوت عن القضية ومصادرة حقوق الضحايا.
على المستوى الدولي: من الأمثلة البارزة لصعلكة الساسة الأمريكيين على المستوى الدولي، اللعب ببعض الصراعات بين الدول الأفريقية من خلال التصالح الذي أجرته إدارة كلينتون إبان الصراع الإثيوبي الإريتيري، والذي تعاملت معه بقدر من الحيادية وحاولت تسويته بطرق سلمية وكانت الدافع الأهم في اتفاقية الجزائر للسلام بين طرفي الصراع والذي تم التوقيع عليه في ديسمبر 2000م، في حين أن إدارة بوش الإبن جاءت بعدها لتنحاز الى إثيوبيا بشكل واضح وهو التوجه الذي جاء لتوطيد العلاقة الامريكية الإثيوبية على حساب إرتيريا بسبب بعض المصالح الاقتصادية بينهما، وبالتالي فقد وضعت القنابل الموقوتة للصراع الذي كان يحتمل نشوبه حينها بين الجانبين.
وكذلك تصارع الإدارتين أيضاً وتناقضهما في علاقتهما مع النظام السوداني، وبعد المشادات والتجاذبات حاولت إدارة كلينتون إسقاط النظام وعزله عن طريق دعم الجيش الشعبي لتحرير السودان، إلا أنها فشلت في ذلك بينما جاءت إدارة بوش لتسلك مسلك المهادنة وتحسين العلاقة مع النظام السوداني نتيجة لضغط لوبي شركات النفط الأمريكية التي بدأت توجه أنظارها صوب النفط السوداني وحقوله الواسعة. وهذه صعلكةً دوليةً على مستوى عالي من الأداء والتخطيط تتجاوز الأخلاق والقيم الإنسانية وترتمي في أحضان المصالح الضيقة.
ولم تقف الصعلكة الأمريكية عند حد السياسة فحسب بل تجاوزتها وأنسحبت على السلطة التشريعية والقانونية، إذ أن سن قانون "جاستا" يعتبر الإنتهاك الأبرز والأحدث للعديد من المبادئ والقيم التي تقوم عليها العلاقات الدولية بين مختلف بلدان العالم تحت تأثير المصالح والسياسة، والذي يُمكِّن أي شخص في أمريكا أن يرفع دعوى على دولة أو أشخاص سياسيين لديهم حصانة ساهموا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بمساعدة أو تسهيل أي عمل إرهابي، طيش ومراهقة سياسية، وصعلكةً متقدمةً تكتنفها المصالح وابتزاز الدول في الوقت الذي يعامى فيه الساسة الأمريكيين عن جرائمهم الجمَّة، المنتشرة قبورها على طول العالم وعرضه.