بلقيس اليمن وتوكل كرمان
الاربعاء, 12 أكتوبر, 2016 - 04:26 مساءً

لم يتغنى تاريخ الإنسانية بامرأة كما تغنى بالملكة "بلقيس اليمن"، بل أوردها القرآن بين جوانحه لأنها كانت الرمز الإنساني الأصيل للمرأة القيادية، القادرة على الحكم ومصدر الحب ونبع الحنان؛ خواص لم يمتلكها الرجال وإن سادوا وبرزوا تجبروا وعاثوا في الأرض الفساد.

اليمن ولاَّدة الرجال والنساء على حدٍ سواء، اليمن التي اخضوضر العشب فيها وامتدت فيها السهول وأثمرت فيها الحقول وملأَ القمح فيها الدوالي، والفواكه مِلئَ والسلال وشدت للفتوحات  خيلها والرجال.

 "بلقيس" التي عَبَدَتْ وقومُها الشمس من دون الله قبل إسلامها، ولم تعبد وثناً من تمرٍ يؤكل أو خشبٍ يُحرق أو طين أو حيوان؛ لعظم شأنها وذكاء تفكيرها وقوة تدبيرها وعلو مكانها كالشمس، عبرت الحدود وطارت إلى فلسطين إلى حيث نبي الله "سليمان" نصُّ رسالةٍ طار بها هدهدٌ فآمنت به قبل أن يؤمن قومها حينها، قبل أن يؤمن به قتلة اليوم والمجرمون دعاة الباطل في كل زمانٍ ومكان، سبقت كلَّ النساء حكيمةً وحاكمة، آمنت بمبادئ الشورى في الحكم قبل ظهور مصطلح الديمقراطية ومبادئها بقرونٍ طوال.

 فكانت سورة النمل لقصتها المحتوى وتاريخها الذي لن يمحوه حاقدٌ أو دَعِيٌ أو جَحود، ولن يُمحى بإتلاف كتب التاريخ وإغراق أسفاره في الحريق، رمز اليمن التي صُودر وتاريخها منذ أن بدءَ عصر الظلام الغشوم ومنذ أن زرع الزيف بين قادة أهل اليمن وأقيالها، منذ أن غُرز السيف بين أجيالها، وانفجرت في جبالها وقُراها الحروب وانتشرت في وديانها الأشلاء وسالت فيها الدماء..

 أُنهكت "اليمن" قطعاً لكنها لن تموت ولن يفنى فيها الرجال، ستبقى فيها النساء يلدن كل صانعِ فكرٍ، ومحققِ حلمٍ، وقائدِ حربٍ، وحامل لواءِ، وعلمٍ بين العالمين. نعم، اليمن لن تموت.

لن تموت وفيها النساء سلائل بلقيس وحفيدتها "توكل بنت عبدالسلام"  تجوب البلاد تبحث عن الحرية والإنعتاق لأهلها وأبناءها من جور ظلم خيَّم على إثرهِ ليلٌ بهيم.

 "توكل" بنتُ عالمٍ ووزير، وأختُ شاعرٍ ومهندسٍ، وأختُ أكاديميةٍ واستاذة في الجامعات، "توكل" رضيعة الحريةِ والعلم في مهدها، فبلورت الحرية أفكارها وعمق العلم أحلامها، فصارت علماً للنساءِ في عصر ظُلمتْ فيه النساء وسُحقت فيه حقوقُ الشقائق وسكتْ عنها الرجال.

مثَّلت الإسلامَ في كلِّ بلد، واحتشمت في كل محفل؛ احتشام المسلمات وارتدت فيه الحجاب، وإن أنكر البعض وتنكر لكفاحها الحاقدين والحاقدات؛ كسرتِ طقوس الغرب في الحريات، صنعتِ مشعلاً يضئ طريق العابرين إلى المستحيل إلى حيث يجثو القهر على صدر اليمن وانكفاءَ فيه جُلُ الرجال.

كرَّمها الناسُ قبل أهلها؛ لحبها للسلام واستحقت التكريم في ناسها، خيمت في ثورة الشباب وافترشت الأرض تحت الخيام لم تنثني. هددها الخفافيش والحوافيش أعتدى عليها سفهاء الأحلام لكنها لم تنثني، أكْبَرَها الآخرون، كرَّمها الآخرون بجائزة تلو أخرى كانت شرفاً واعتباراً لكل منصفٍ في اليمن وغيرها في باقي الشعوب، لأنها كانت صرخةَ حقٍ تعامى عنها الكثير و اقتات بها آخرون من المؤمنين والجاحدين.  

اليمن لن تموت وفيها الرجال شامخي الرؤوس عوالي الهمم، وفيها الشموس وفيها النساء حاملات الجوائز، وفيها "توكل" وأمثالها تجوب البلاد تحمل قضية أهلها في اليمن تحمل مأساتها وأكفانها على أكتافها، تركب في لياليها الخطوب تُعدِّي الدروب تبحثُ عن الحقوقِ والحريات.

 اليمن لن تموت وفيها "توكل" حفيدةُ "بلقيس" وأمثالها، وبلقيس رمزٌ صارت قناةً تملاءُ الفضاء، تهز الكائنات، ترسل حلمنا عبر الأثير، تصدح بالحقيقة والموجعات ترسل همنا وأحلامنا إلى العالم كي يستفيق.
 ليرى فينا المفجعات ويرى اليمن يشكو القهر بين أحشائه، غائرةٌ فيه الجراح، علت فيه صرخات الأنين لكن برغم الأسى؛ يقيناً سننهض لأن الخطوب محك القلوب.

 ومن رحم المعاناة تولد المعجزات، لأن النار يطرق فيها الحديد حتى يلين ويصنع منه سلاحاً لعشاق القتال، وصحناً للآكلين، ومزهرية للعاشقين. اليمن لن تموت ولن يفنى أبناؤها طالما وفيها رجال فحولٌ وأمٌ ولود، وأرضٌ تشكلت فيها الحقائب، تشكل فيها الزمان وصُنعتْ في تُـربهِ المعجزات.
 

التعليقات