اليمن تحت وطأة التضخم العالمي.. دراسة تحليلية تتوقع عواقب اقتصادية ومالية وإنسانية أكثر خطورة (ترجمة خاصة)
- ترجمة خاصة السبت, 26 نوفمبر, 2022 - 12:03 صباحاً
اليمن تحت وطأة التضخم العالمي.. دراسة تحليلية تتوقع عواقب اقتصادية ومالية وإنسانية أكثر خطورة (ترجمة خاصة)

توقع مركز دراسات خليجي أن اليمن الذي يشهد حربا منذ ثمان سنوات أن يصل مستوى التضخم المحلي إلى مستوى مرتقع جديد هذا العام.

 

وقال مركز الإمارات للدراسات في دراسة تحليلية ترجمها للعربية "الموقع بوست"  إن الهزات الارتدادية من الانكماش الاقتصادي العالمي الناجم عن جائحة كوفيد -19 والحرب الروسية الأوكرانية تسببت في خسائر فادحة في اليمن المنكوبة بالحرب.

 

وتوقع  أيضًا أن ينتهي بارتفاع قياسي في عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية المنقذة للحياة وأولئك الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مع تقديرات تضع كلا الرقمين عند 23.4 مليون و 19 مليونًا على التوالي.

 

وأشار إلى أن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا تفتقر إلى الموارد اللازمة لاتخاذ إجراءات ملموسة للتخفيف من الصعوبات الناجمة عن التضخم. علاوة على ذلك، لسد العجز المتزايد في ميزانية الدولة، قد تلجأ الحكومة مرة أخرى إلى مصادر التمويل التضخمية عن طريق خفض قيمة العملة المحلية.

 

وأكد أن الرسوم غير القانونية التي تفرضها جماعة الحوثي والضرائب والرسوم الباهظة المفروضة على التجار والمستوردين في المناطق الواقعة تحت سيطرتها تساهم في تفاقم هذه التداعيات على السكان المحليين الخاضعين لسيطرتها.

 

وبحسب الدراسة فإنه "إذا استمر الاتجاه التضخمي الحالي وتحول التباطؤ الاقتصادي العالمي إلى ركود بعيد المدى، فمن المرجح أن يعاني اليمن من عواقب اقتصادية ومالية وإنسانية أكثر خطورة".

 

قال "مركز الإمارات للدراسات" إن الاقتصاد العالمي تعافى حاليًا من الضغوط التضخمية، التي أخذت تتراكم منذ بداية جائحة كوفيد -19 والحرب الروسية الأوكرانية. وتسببت السياسات النقدية الصارمة التي تم وضعها لكبح جماح ارتفاع الأسعار في حدوث تباطؤ اقتصادي عالمي وأثارت مخاوف من أن تتحول إلى ركود.

 

وأضاف أنه وبسبب الحرب المستمرة منذ ما يقرب من ثماني سنوات، تعرض اليمن لضربة اقتصادية شديدة ويعاني من أزمة إنسانية متفاقمة. وفي الوقت نفسه، كان على البلاد التعامل مع تداعيات العديد من التحديات الاقتصادية العالمية، بما في ذلك التضخم. ومن المحتمل أن تظهر تداعيات إضافية في اليمن إذا استمرت الصدمات المالية العالمية لفترة أطول.

 

ويفحص هذا التحليل الآثار المترتبة على الحلقة الحالية من التضخم العالمي في اليمن واستجابات مختلف أصحاب المصلحة. كما يناقش السيناريوهات المستقبلية المحتملة مع مراعاة التطورات المحلية والدولية.

 

آثار التضخم العالمي على اليمن

 

وصل التضخم إلى مستويات غير مسبوقة في جميع أنحاء العالم بسبب الاضطرابات في سلاسل التوريد الناجمة عن تفشي جائحة Covid-19 في نهاية عام 2019 والزيادة اللاحقة في الطلب الناجمة عن السياسات المالية التوسعية التي أدخلتها العديد من البلدان. ومنذ بداية العام، عندما اندلعت الأعمال العدائية بين روسيا وأوكرانيا، ارتفعت معدلات التضخم بشكل كبير، مما جعل الوضع المتردي بالفعل أسوأ.

 

هذا الارتفاع الأخير في التضخم العالمي جعل التوقعات الاقتصادية لليمن أكثر كآبة. ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد مع زيادة معدل التضخم السنوي إلى 45 في المائة هذا العام، وارتفاع معدل تضخم أسعار المواد الغذائية، على وجه الخصوص، إلى مستوى أعلى بكثير يبلغ 58 في المائة. ومن المتوقع أن يرتفع عدد الأشخاص المحتاجين للمساعدات الإنسانية إلى 23.4 مليون بحلول نهاية العام. كما من المتوقع أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى 19 مليون.

 

في الاقتصادات المتقدمة، هناك اتجاه متزايد نحو تشديد السياسات النقدية وزيادة أسعار الفائدة لاحتواء ارتفاع التضخم. ومع ذلك، هناك مخاوف متزايدة بشأن تأثير هذه السياسات على الاقتصادات النامية التي تعاني بالفعل من الصراعات والأزمات العميقة بسبب فقدان التدفقات المالية وارتفاع تكاليف خدمة ديونها. وبما أن المصادر الأساسية للعملة الأجنبية في اليمن هي تحويلات مواطنيها العاملين في الخارج والمساعدات الخارجية، فقد تكون البلاد معزولة نسبيًا عن مثل هذه الآثار.

 

بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم ديون اليمن مجمدة بحكم الواقع أو مشمولة بالاتفاقيات مع الدائنين. ومع ذلك، فإن الضغوط الاقتصادية الحالية على العالم قد تحد من المساعدات الخارجية المستقبلية لليمن، وخاصة من الدول الغربية. إنهم يواجهون ضغوطًا محلية متزايدة بسبب تأثير التضخم على مواطنيهم والالتزامات المالية الكبيرة التي تعهدوا بها ردًا على الصراع في أوكرانيا. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن تتلقى اليمن هذا العام 2.1 مليار دولار من المساعدات الإنسانية، انخفاضًا من 2.547 مليار دولار أمريكي في عام 2021 و 2.424 مليار دولار أمريكي في عام 2020. ومن المتوقع أن يحتاج المزيد من الناس إلى مساعدة عاجلة منقذة للحياة.

 

ويعتبر الارتفاع الحالي في أسعار النفط خبراً ساراً لليمن لأن البلاد تتوقع زيادة عائداتها من صادرات النفط الخام إلى 1.722 مليار دولار هذا العام، من 994 مليون دولار أمريكي في عام 2021 و 648 مليون دولار أمريكي في عام 2020. على المدى الطويل ومع ذلك، من المتوقع أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى إلحاق المزيد من الضرر بالاقتصاد. وذلك لأن اليمن يستورد منتجات نفطية أكثر مما يصدر. هذا العام، من المتوقع أن تستورد اليمن ما قيمته 3.145 مليار دولار من المشتقات النفطية، ارتفاعا من 2.803 مليار دولار في عام 2021 و 2.074 مليار دولار في العام السابق.

 

في الوقت الحالي، تدر صادرات النفط الخام اليمنية أموالاً أكثر مما تنفقه الدولة على واردات المشتقات النفطية. هناك زيادة متوقعة بنسبة 73 في المائة في عائدات تصدير النفط للبلاد هذا العام مقارنة بالعام الماضي عندما زادت قيمة الصادرات النفطية بنسبة 53 في المائة مقارنة بعام 2020. بينما من المتوقع أن ترتفع قيمة وارداتها من المشتقات النفطية بنسبة 12 في المائة هذا العام مقارنة بالسابق، فإن الزيادة عن مستويات 2020 هي 35 بالمائة. لكن هذا التفاوت يظهر أن القوة الشرائية المحلية ليست قوية بما يكفي لمواكبة زيادة الأسعار العالمية.

 

وتفيد الزيادات في أسعار النفط العالمية دول الخليج العربي المنتجة للنفط، وتحسن مستويات المعيشة وآفاق التوظيف للعمال اليمنيين، الذين يعيش ويعمل الكثير منهم في السعودية والإما_رات (بالإضافة إلى العديد منهم حاليًا في الولايات المتحدة). ومن المتوقع أن تصل تحويلات المغتربين إلى 4.538 مليار دولار أمريكي هذا العام، ارتفاعًا من 4.301 مليار دولار أمريكي في عام 2021 و 3.721 مليار دولار أمريكي في عام 2020.

 

ومع ذلك، وبسبب التضخم العالمي، فإن العجز في ميزان المدفوعات هذا العام قد يصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، مع تقديرات البنك المركزي التي تضعه عند 3.5 مليار دولار أمريكي مقارنة بـ 2.098 مليار دولار أمريكي في عام 2021 و 528 مليون دولار أمريكي في عام 2021.  2020. بعبارة أخرى، فإن الارتفاع المتوقع في عجز ميزان المدفوعات سيتجاوز الزيادة في تحويلات الوافدين.

 

استجابة أصحاب المصلحة المحليين والأجانب

 

لا تستطيع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً تنفيذ مبادرات ملموسة من شأنها حماية المواطنين في المناطق الواقعة تحت سيطرتها والمواطنين في جميع أنحاء اليمن من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية. فالحكومة غير قادرة بالفعل على التعامل مع المشاكل المالية المحلية، ناهيك عن الآثار العالمية المتموجة للتضخم. بالإضافة إلى عائداتها المحدودة وغير الكافية، لا تستطيع الحكومة تمويل عملياتها الأساسية بشكل كافٍ أو القيام بمبادرات جديدة، مثل خفض تكلفة السلع الأساسية (المواد الغذائية) من خلال دعم الأسعار.

 

علاوة على ذلك، قد تفشل جهود الحكومة لتثبيت سعر صرف العملة المحلية في المناطق الخاضعة لسيطرتها إذا اتسع عجز ميزان المدفوعات بسبب التحولات الاقتصادية العالمية. وستواجه الحكومة خيار خفض قيمة العملة الوطنية لضمان تلبية احتياجاتها من خلال حزمة المساعدات الجديدة التي قدمتها المملكة والإما_رات هذا العام (بإجمالي 3 مليارات دولار أمريكي).

 

كان بإمكان الحكومة الحد من تأثير المشاكل الاقتصادية العالمية على الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الواقعة تحت سيطرتها لو أنها خصصت جميع الإعانات غير المباشرة (في قطاعي الكهرباء ومشتقات النفط) لفائدة الفئات السكانية الأكثر استحقاقًا فقط. بالإضافة إلى ذلك، كان بإمكانها إعادة توجيه أي إيرادات إضافية لدعم هذه المجموعات. ومع ذلك، ما إذا كان يمكن للحكومة تنفيذ مثل هذا التغيير الشامل أم لا هو موضع جدل كبير.

 

في أجزاء أخرى من اليمن، تساهم جماعة الحوثي- التي تحكم معظم المنطقة الشمالية للبلاد- بشكل مباشر وغير مباشر في تفاقم آثار الأزمة الاقتصادية العالمية على الأشخاص الذين يعيشون تحت حكمها. على سبيل المثال، أدت الرسوم والضرائب المرتفعة التي يفرضها الحوثيون على التجار والمستوردين إلى زيادة متوسط ​​أسعار دقيق القمح هناك مقارنة بالمناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية.

 

ولعبت الجماعة دورًا سلبيًا لأنها تضع علاوة على تكديس أكبر قدر ممكن من الأموال، بغض النظر عن الخسائر التي تلحق بحياة الناس في المناطق التي تسيطر عليها. حيث كانت الجماعة تأخذ الأموال بشكل صارخ من تدفقات الإيرادات العامة دون إعادتها إلى الناس، بما في ذلك رواتب الموظفين العموميين.

 

ونتيجة لذلك، يبدو من غير المرجح أن تقدم جماعة الحوثي مبادرات بناءة لمعالجة الآثار السلبية للتحديات الاقتصادية العالمية الجديدة على المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرتها. كما أنه من غير المحتمل أن تتبع الإجراءات والتدابير لتخفيف معاناتهم طالما أن هذه الإجراءات المطلوبة لا تتفق مع مصالحها وقدرتها على توليد دخل مالي أعلى.

 

وأصدرت مجموعات إغاثية دولية تقارير تعرب عن القلق من تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على ملايين اليمنيين. إنهم يواجهون بالفعل صعوبات شديدة بسبب الحرب التي طال أمدها في البلاد (تدخل الآن عامها التاسع) ويطالبون بزيادة المساعدات الدولية التي سيتم توجيهها إلى المواطنين الأكثر حرمانًا في البلاد.

 

ومع ذلك، فإن الشكوك حول المساهمة المتوقعة من هذه المنظمات في مواجهة التحديات الجديدة تزداد بسبب ضعف أدائها نسبيًا خلال الفترة السابقة فيما يتعلق بحجم التمويل الذي تلقته. لا يقتصر الأمر على أن المانحين الدوليين أقل حرصًا على مساعدة الحكومة اليمنية في الوقت الحالي؛ كما أنهم يحولون تركيزهم إلى مشاكل أخرى يعتبرونها أكثر إلحاحًا.

 

المسارات

 

إن السياسات النقدية المتشددة للعديد من البلدان استجابة للضغوط التضخمية، من بين عوامل أخرى، هي المسؤولة عن التباطؤ الاقتصادي العالمي، وتتزايد المخاوف من أن هذا الاتجاه قد يتحول قريبًا إلى ركود. ومع ذلك، لا يزال هناك احتمال أن معدلات التضخم قد تنخفض دون حدوث انكماش اقتصادي مماثل.

 

إذا تحول التباطؤ الاقتصادي إلى ركود قريبًا، فمن المتوقع أن يعاني اليمن من عواقب أكثر خطورة. قد تصبح واردات اليمن من المواد الغذائية والمشتقات النفطية، التي شكلت أكثر من 60 في المائة من قيمة وارداتها في عامي 2020 و2021، أقل تكلفة بسبب هذا الانكماش. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي الركود إلى زيادة تقييد التدفقات المالية للبلاد.

 

من المتوقع أن تنخفض تحويلات المغتربين اليمنيين بشكل أسرع من الركود العالمي أو اقتصاديات البلدان التي يعيش ويعمل فيها هؤلاء المغتربون. لسوء الحظ، حدث هذا في عام 2020، عندما انخفضت تحويلات المغتربين اليمنيين بنسبة 12 في المائة عن العام السابق، على الرغم من أن اقتصادات البلدان التي يتركز فيها معظم العمال اليمنيين انخفضت بمعدلات أقل بكثير (تتراوح من 3.1 إلى 4.8 في المائة). لهذا السبب، يمكن اعتبار التحويلات المالية المرسلة إلى اليمن من العاملين بالخارج محفوفة بالمخاطر للغاية.

 

هناك عامل آخر يحد من قدرة اليمن على جني الأموال من صادراته من النفط الخام وهو التوقعات المنتشرة بأن الانكماش الاقتصادي العالمي سيضع ضغوطًا إضافية على أسعار النفط العالمية. وحدث هذا في عام 2020 حيث انخفضت عائدات تصدير النفط اليمني من 1.101 مليار دولار أمريكي في عام 2019 إلى 648 مليون دولار أمريكي في عام 2020، بانخفاض كبير بنسبة 41 في المائة. علاوة على ذلك، فإن القدرة المالية للدول المانحة المنتجة للنفط قد تتأثر بأزمة أسعار النفط العالمية، مما يؤدي إلى انخفاض حجم المساعدات المقدمة لهذا البلد.

 

في حالة حدوث انكماش اقتصادي عالمي، من المتوقع أن تتأثر الموارد المالية للدول الغربية المانحة. ونظرًا لأن لديهم احتياجات أكثر إلحاحًا محليًا (آثار الركود على السكان) وإقليميًا (الصراع بين روسيا وأوكرانيا)، فمن المرجح أن يقللوا من مقدار المساعدة التي يقدمونها لليمن. وتعتبر التسريبات حول خطط المملكة المتحدة لخفض مساعداتها الخارجية في الفترة المقبلة مؤشرا مبكرا على هذا الاتجاه الذي من المتوقع أن يتسارع في حال تحقق سيناريو الركود الاقتصادي العالمي. والمملكة المتحدة من بين الدول الخمس الأولى التي تقدم مساعدات لليمن.

 

وستصاحب هذه الآثار ارتفاع في أسعار المواد الغذائية، كما كان الحال في عام 2020، عندما زادت قيمة واردات اليمن بنسبة 7 في المائة من 2019 إلى 2020، من 2.901 مليار دولار أمريكي إلى 3.101 مليار دولار أمريكي. أي أن سيناريو الركود الاقتصادي العالمي قد يكون مصحوبًا فقط بانخفاض في أسعار المشتقات النفطية وليس بالضرورة انخفاض أسعار المواد الغذائية. علاوة على ذلك، فإن أي انخفاض متوقع في أسعار المشتقات النفطية لن يكون كافياً لتعويض الارتفاع المحتمل في عجز ميزان المدفوعات بسبب العواقب الأخرى.

 

واختتم التحليل: قد يبدو من الأخبار السيئة أن احتمالية حدوث انتعاش اقتصادي عالمي عبر "هبوط ناعم" دون حدوث ركود آخذ في التضاؤل. ومع ذلك، قد يكون هذا هو السيناريو الأفضل للوضع الاقتصادي في اليمن. وسيضمن أن التدفقات المالية للتحويلات المالية للعمال اليمنيين في الخارج، والعائدات من بيع النفط الخام والمساعدات من الدول المانحة، لن تعاني من انخفاضات كبيرة. هذه هي التدفقات التي، إذا تم الحفاظ عليها عند المستويات الحالية، ستوفر فائدة أكبر من أي تخفيضات في أسعار الواردات من المشتقات النفطية والمواد الغذائية في ظل سيناريو الركود.

 

*يمكن الرجوع للمادة الأصل : هنا

 

*ترجمة خاصة بالموقع بوست


التعليقات