تشرفت مدينة تعز بزيارة الأستاذ عبد العزيز جباري نائب رئيس الوزراء وزير الخدمة المدنية أيقونة الثورة ومعينها النضالي الدائم، وهي تتغنى بالثورة وتنسج أضواءها فرحاً بعيد سبتمبر عيد الوطن التاريخي الكبير برغم جراحها وكثرة مشاريع بعض البرجماتيين النفعيين فيها ومن خارجها، والممارسات المشوهِّة لصمودها في وجه عاصفة التخلف المليشياوية لمحاولة إدراة عقارب الساعة للوراء. فأرواها خطابه الثوري السبتمبري الأصيل، وأهتزّت أرضها ارتدادا لوقعه الهادر وانطلقت في الحناجر هتافات الجموع صدّاحة بالمولد السبتمبري العظيم، وأضفت زيارته للعيد جلالاً وبهاءً لا يوصف، فكان الرد حباً وحماساً وطنياً ووفاءً لضيف كريم، جاب شوارع المدينة الوطن، صافح الباعة في أزقتها الحزينة، أحس بها ذاق حلوياتها وجبنها، فأروته روحاً وطنية وشعورا جمهوريا شرعيا لا ريب فيه ولا جدال.
كان قدوم قامة وطنية كجباري إلى تعز حدثاً مغيضاً للأعداء كونه من محافظة ذمار التي ترزح تحت نيْر الطغيان وليس محسوباً عليها، طامساً في مقدمه كل دعوات المناطقية والجهوية التي يحاول البعض تكريسها لتشويه هوية اليمن الواحدة وهوى اليمن الموحد في التلاحم والاصطفاف في وجه الطغيان المناطقي السلالي.
عرفت الوزير شخصياً والتقيت به عند زيارته إلى ماليزيا بعد رحلة علاجية له في الهند بالتحديد في مدينة بينانج عقب ثورة الشباب السلمية عام 2011م، وعلى وجبة عشاء خفيفة جلس بيننا بتواضع جم يروي للشباب تفاصل الصراع على السلطة وحكاياته مع حزب المؤتمر الشعبي العام وبعض خلافاته مع الرئيس السابق علي صالح وتحوله المبدئي الكبير الذي أبداه صالح مؤخراً حيث أثار استغرابه ونكرانه، والذي مؤداه أن صالح اليوم ليس صالح الأمس وأنه قد أصابه مكروه في تفكيره وأدائه السياسي والوطني.
وعلى ضفاف نقاشاته وقف له أحد أبناء ذمار مجادلاً ومشوهاً لثورة الشباب السلمية وأنها كانت خطيئة ولم تأتِ إلا بالدمار، في وقت لم يمر على حكومة باسندوه حينها سوى شهرين فقط وبعد أن عجز عن إقناعه قال له: ألا تستحي! طالب دراسات عليا وتفكيرك على هذا النحو يحق لي أن أمد رجليا ولا أبالي، ثم همس في أذنه بعبارة طرقت مسمعي صدفه بعد أن يئس من إقناعه كانت العبارة وطنية صادقة توضح معضلة تاريخية عن حقيقة من هو الأصلح لحكم اليمن وما هو السبب وراء ذلك.
عبارة لم أسمعها من أحدٍ قبله واحتفظ بها لنفسي، جعلتني أنهض واقفاً واطبع قبلة على رأسه وعندما لمسنا صدقه وشفافيته اللا محدودة في قضايا مستقبل الوطن رتبنا له محاضرة جماعية ألقاها أمام طلاب الدراسات العليا في كوالالمبور، أعقبتها جلسات غير قليلة معه، أدهشنا صدقه وحرقته على الوطن وزخم وطنيته الجارفة في زمن المتاجرين بآلام الوطن وجراحه، وحسن أداؤه وهو عضو مجلس نواب عن حزب المؤتمر الشعبي العام لحوالي ثلاث دورات، حزب المفارقات العجيبة والاختزال الشخصي الأسري العجيب.
السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هنا وحتى لا نطيل في تفاصيل شخصية الرجل لماذا لا يحل في مدينة تعز؟ بين أهله وذويه كي يحس الناس بتواجد السلطة الشرعية لليمن ممثلاً لها في أوساطهم راعيةً وحاميةً لهم تزيدهم ثقةً بها ودعماً معنوياً ومادياً لمقاتليها المدافعين عنها وعن مبادئ الثورة والجمهورية، وإبراز مؤسساتها الشرعية وتعزيز أداء سلطاتها المحلية.
ولماذا لا يتوزع نواب رئيس الوزراء على المحافظات يحلون فيها يتفقدون أحوالها ويتلمسون معاناتها وجراحات الحرب فيها؟ ما هي أسباب مكوث رئيس الأركان السابق واللاحق في مأرب وعدم زيارتهما لجبهات القتال في كل مكان وعلى الأخص جبهة تعز الملتهبة؟ ومتى انتصرت حرب وقادتها في شتات أو في الشتات؟ ولماذا لم يصل بن دغر رئيس الوزراء زائراً لأي محافظة شمالية كعادته في المحافظات الجنوبية؟ ولماذا لم يلبسوا الميري ولامات الحرب كي يحسوا بمعانات الناس في المعارك، على قمم الجبال الشاهقة والصحاري الحارة والسهول الوعرة؟
خلاصة القول: أنه لا يكتب النصر لأي قضية في حال غياب صبر وهمة حامليها، وإصرارهم الدائم على إيصالها إلى كل مسمع شخصي ومحفل دولي ومنظمة حقوق وكل صانع قرار، ولن تحقق الحرب أهدافها في حال غياب قادتها العسكريين والدبلوماسيين والسياسيين، من على ساحات الحرب وميادين القتال كلاً يؤدي مهامه، ويلعبون أدوارهم بحسب الحاجة والتخصص ومقتضيات الطلب، في الوقت الذي يعيش الخصم في الداخل يراه العالم على الأرض ولا تحترم الشعوب إلا من هم على الأرض وعاشوا أحوال أهلهم وذاقوا معاناتهم.
أختتم بقصة الوفد الفيتنامي الذي ذهب إلى الأمم المتحدة مفاوضاً حول استقلالاها عام 1971 حيث رفض الذهاب إلى الفندق الفاره الذي أُعد لضيافتهم في نيويورك وذهبوا للعيش مع طلاب فيتناميين في سكنٍ متواضع كي يشعروا بهم أنهم منهم ويراهم شعبهم والناس من حولهم بعين التقدير والاحترام، لكن وفودنا ومفاوضينا ومسئولينا غير أبناء "هو تشي منه" ذلك لأن روائح قصص بعض وزراء الشرعية ومسؤوليها باتت تزكم الأنوف وتبعث على الإحباط والتقيؤ جراء ما يقال ويكتب عنهم.