أثارت شجوني هذه الصورة، أم عظيمة تسمّر بقايا عمرها تحت أشعة الشمس منذ اختطاف فلّذة كبدها قبل خمسة أعوام، كيف للسجّان الأحمق أن ينام هانئاً وهذا الفردوس يحترق في رمقه الأخير حزناً وألاماً، شعرت بها أمي التي تقف على أبواب ذكرياتنا كل يوم باحثة عن رغيف مساء يابس يجعلها على قيد دعواتها الدائمة.
تلتصق هذه الأم العظيمة بأرواح كل المعتقلين، تسيح دموعها وفيها غربة ومنفى وأوطان غريبة تحمل أولادها وتسرح بهم بين الضياع والتشرّد، لم نكن نتوقع أيتها الأم الفاضلة أن ينحدر الإنسان إلى هذا القاع السحيق، القاع الذي يجعله مخلوقاً غريباً لا ترتبط فطرته بالحيوان قبل الإنسان.
أعتذر كثيراً، قبل الحمقى وبعد الأسوياء، في منتصف سجن ابنك، ابن البلاد كلها، وبعد فرحة اللقاء الأول الذي أفترشت على أنينه أميالٌ من الفقد والافتقاد، ليست المرة الأولى التي أقبّل أقدامك فيها، منذ وقفتك الأولى وأنا أحمل قدميك على جبيني، أرفع بحذاءك المتعبة ناصية إعتزازي، أخلق من نبرتك المتوارية خلف الوجع مساحة لا يسير عليها إلا من خرج من صلب روحك ويعيش اليوم بخفّة الطائر الذي يجتاز قضبان السجّان الأحمق كما يفعل توفيق معك كل لحظة ويوم، تنتظرين إنسانية تهرب من رماد الوحوش، تفّر من أنين المغلوبين المعذّبين، وكأنك بهذا الوفاء الذي تدركين معه خيبة المخلوق البشع تقولين للخالق نحن أبناء فطرتك السليمة، وما تبقى هناك قد شوّهت ذواتهم مطامع لا نراها إلا في أعين الشيطان ولا نعرفها إلا على ملامح أبليس.
تجسّدين أمنا اليمن أيتها العظيمة، أمنا المسلوبة المصلوبة المقهورة التي تكابر بأظافر أولادها الحادة، تلك الأظافر التي تبقي هذا اليمن الكبير كبيراً، وتغذي سواعدها بشموخك وثباتك، وهذا عزاء توفيق، عزاء كل اليمنيين، بشخصية تحمل أوجاع البلاد كلها على قلبه المتعبة، ومازلت تبّث في أعماقنا أبجدية الوجود الكريم والبقاء العزيز.
شكراً لكِ كثيراً، لأقدامكِ التي تمثّل شرف كل يمني عزيز.