الذين ينظرون لفبراير من زاوية المناكفات السياسية، هؤلاء لا يفقهون معنى الثورة، فبراير ليست مجرد مظاهرة شعبية قام بها فصيل معين ضد فصيل أخر، هي حركة تأريخية شاملة ثار فيها معظم الشعب ضد نظام كان قد وصل لذروة الفشل وبات المستقبل معه مسدودا بالكامل.
أعظم ما صنعته فبراير، ليس الإنجاز السياسي بإسقاط نظام مغشوش فحسب، بل الثورة الثقافية الواسعة وإيقاظ وعي جيل كامل من الشباب، ما كان بوسعهم أن يحققوا هذا الإنفتاح السياسي لولا الثورة، أنا مثلا أشعر أن فبراير كانت الحدث المركزي الذي فتح عيوني على الواقع وعرفت ماذا يعني النظام وماذا تعني الدولة واستوعبت مفاهيم سياسية كثيرة بفضل فبراير.
سيكتب التأريخ أن فبراير كانت بداية لحقبة تأريخية مختلفة تمامًا عما قبلها، ميلاد جيل جديد لم يعد مستعدا للتعايش مع نظام مختل، ويرغب بتجربة عيش مماثلة لما هو في العالم المتقدم..وإذا أردتم محاكمة شباب فبراير، يمكنكم مسألتهم من زاوية أهدافهم وليس من باب المآلات التي حدثت بعد فبراير، فأهدافهم نبيلة ولأجلها خرجوا، أما المآلات الكارثية فصنعتها النخبة السياسية الشائخة والفاشلة التي ادعت أنها تمثل فبراير وخانتها.
صحيح أن الوضع الآن أسوأ، لكن هذا السوء لم يصنعه شباب فبراير، بل هو نتاج انفجار النظام المختل نفسه، كما أن هذا الوضع الكارثي الذي نعيشه يؤكد أن فبراير كانت على حق، فقد ثارت على نظام كارثي كان يحمل كل أسباب الإنهيار داخله، فمجرد خروج الشباب ضد النظام، إذا به يدمر الدولة بكاملها..وإلا أجيبوني، من قال أن إسقاط النظام يعني إسقاط الدولة، وكيف أصبحت الدولة هي النظام، أليس ذلك دليلا على فساد النظام الحاكم الذي حول الدولة لحظيرة خاصة به، وحين طالبوه بالرحيل أحرقها بالكامل.
هناك ارتباكات للثورة، لكنها ارتباكات ناتجة عن قلة حيلة الشباب وحداثة تجربتهم، ولأن الثورة كانت عفوية فلم يتمكنوا من ترتيب صفوفهم فيما بعد والإمساك بزمام الواقع، إن كان هناك من أخطاء للثوار فهو حسن نيتهم وعدم إدراكهم لخبث النظام وحجم الصعوبات التي سوف يواجهونها بعد رحيل رأس النظام، كما أن المبادرة الخليجية كانت بمثابة التخدير الذي قام به الخليجيين ومنح النظام فرصة للإنقضاض على الثورة.
المجد لفبراير..تعثرت، لكنها فتحت أبواب التأريخ أمام الشعوب ووضعت حد لنظام مدجن، وما هذه الفوضى إلا مجرد مرحلة تحول تعاني فيها الشعوب من مخلفات الأنظمة المتساقطة، ولا يمكن أن تستقر البلاد حتى يصل كل المتصارعين لقناعة أن فبراير والقيم المدنية التي نادت بها، هي الحل لصناعة مستقبل يتسع للجميع.
أنا فبرايرية وفبراير ليست ملكًا لأحد، بل هي ملحمة الجيل الحديث، واللحظة التي دشن فيها الشباب أحلامهم بدولة مثل كل شعوب العالم.