ضياء الحق الأهدل.. وجه تعز المدني المكافح
الأحد, 24 أكتوبر, 2021 - 02:53 مساءً

لم يكن ضياء الحق الأهدل ذلك الرجل المتواضع فردا بحد ذاته فحسب ، بل كان هو تعز بذاتها ، وممثلها الرشيد ، ووجهها المدني المكافح، وحامل شعلة الوطنية ورسالة النور في ساحة مظلمة يملؤها الضجيج والاحتراب والانقسام والتشظي.
 
ولا يمكن اعتبار اغتياله إلا محاولة شيطانية اخرى لقتل روح المدنية وحلم الدولة وتطلعات وطن بغد مشرق ، إذ أن اغتيال إنسان بهذا القدر من التواضع والزهد والوطنية ليس له إلا تفسيرا واحد، بقصد قتل مدينة تعج بالنشاط المناهض للدنيوية والانكسار.
 
باعتبار أن استشهاد ضياء الحق وبما يحمله من فكر منير، وتوجه وطني واضح وصريح ، يمثل ضربة قاصمة للمشروع الوطني والقضية الوطنية واستهداف مقصود للتيار المدني الباحث عن الحرية والعدالة والمساواة وبناء اليمن الجديد.
 
ومن يتتبع سيرة هذا الرجل العظيم ، يدرك حجم الخسارة الوطنية الفادحة التي مني بها المشروع الوطني، ومنيت بها تعز واليمن عموما ، فلم يكن اغتياله محض صدفة أو لأن انتمائه لهذا الكيان أو ذاك ، بل كان اغتيالا مدروسا ومخطط له في إطار ذات المشاريع الهدامة والمناهضة للمشروع الوطني والنضال الشعبي ومستقبل الوطن.
 
فقد كان الشهيد ضياء الحق الأهدل ، وهو المناضل الصلب، يمثل رقما صعبا في المعادلة الوطنية ، منتصرا بكل تواضع ودماثة أخلاق للقضية الأم وللمظلومين والمستضعفين، وبرحيله تفقد الأمة أحد أعمدة المجتمع الذي كان يُركن إليه الكثير والكثير من مداميك بناء هذا الوطن .
 
نعم ، برحيل ضياء الحق ، انكسار للأمل وفصل اخر للهزيمة ، فقد كان منبع للعزيمة الصادقة ينهل منها كل من أراد بناء الوطن ، وبرحيله تنطفئ تلك الأضواء التي طالما انارات دروب السائرين نحو المستقبل المشرق، وتلاشي لعزيمة الوطنية الجارفة التي كان يحملها في قلب تعز بل في قلب اليمن كلها.
 
كان بيته شديد التواضع محطة مفتوحة لكل الوطنيين، وكانت مائدته البسيطة بما عليها من خبز وملح وماء مبذولة لكل عابر سبيل، فتجد في مجلسه الطالب والاستاذ والطبيب والعامل والأبيض والأسود ، بل كان هو نفسه مائدة منبسطة لكل من أراد زادا.
 
وعلى الرغم من مكانته في قلوب البسطاء وأفكار النخبة، ودوره الاجتماعي والوطني ، والمسؤولية التي اختار أن يتخندق فيها بغية تحقيق الإرادة الوطنية والشعبية -وهو ما يتجلى على الأقل في تحرير الآلاف من الأسرى والمعتقلين والتحركات الاجتماعية والإنسانية الواسعة في تعز وخارجها- إلا أنه ورغم كل ذلك وأكثر لم تشده الأضواء ولم تفتنه الحياة أو المنافع العاجلة والمتع العابرة.
 
كان ذلك الرجل البسيط المتواضع الذي تعرفه الأحياء والشوارع ، بوجهه الوضاء وابتسامته التي يرسمها في وجه الجميع دون استثناء ، فلم ينشغل عقله الكبير -رحمه الله- بمال أو جاه ولم يبحث عن مغنم شخصي أو منصب يتبارى به في ساحة المتنافسين رغم احقيته وكفاءته أكثر من غيره .
 
وقد كان رحمه الله، يجاهد نفسه وأهله في حب الوطن ، ويزرع في تعز نموذجا لنخبة سياسية واجتماعية اخرى -ليست كتلك النخبة (الطافحة) على السطح، والتي تجاوزها الزمن إلى نقطة لا رجعة فيها من السواد الحالك ولظلام المترادف- نخبة تؤمن بالإنسانية والقيم والمبادئ والتواضع وتقديم مصلحة الجماعة على الفرد والوطن على الجماعة .
 
كان مؤمنا بأن قدر المؤمن رسالة عليه إيصالها، وبأن الأقدار لا تصنع المستقبل تأثير فردي وجماعي -جوارح تعمل وقلوب تتوكل- ، وأن الأوضاع لا تتغير من تلقاء نفسها، وأن الكلمة الطيبة والنية الصادقة واستغلال المتاح والنضال والكفاح بالقول والفعل ووحدة الصف ، وبها تبنى الأوطان.
 
فأي يد آثمة تلك التي تجاوزت الشر كله، ولم تفرق بين القائد والقواد ، والوطني والتابع، لتختطف روح السلام وشمس النضال من كبد السماء في أرض بلا قاع ولا سماء، فمن يضيء الدنيا بعد ضياء !؟
 
أي يدا ملعونة فاسدة تلك التي تقتل رجلا أفنى عمره في خدمة الضعفاء ونصرة المظلومين وإغاثة المكلومين وغرس بذور الطيبة والأخلاق الحميدة والصفات النبيلة في شباب الغد ، ورعاية كل نبتة طيبة وحفظها من عوامل الانحراف على أمل ان تزهر غدا مستقبلا أفضل لهذا الوطن .
 
كان ضياء ، الأب الروحي لكل الأنقياء والمناضلين، والضياء الحق لكل الكادحين والمكافحين الذين دخلوا في معترك النضال الوطني بقلوبهم الطموحة وأحلامهم الجميلة ؛ وقد كان زاهدا عن الدنيا، فلم تغيره التقلبات أو تؤثر عليه المغريات، ولم يغتر بنفسه نزولا عند أوصاف المدح والثناء والاهتمام الواسع الذي كان يلقاه من حجاج منزله والطائفين حول مجلسه والعائذين به .
 
كان في قلب موجة الثورة قبل أن تشب على قدميها قنديلا يستضاء به، ولم يكون لنفسه بعدها حزبا او جماعة او ينشيء جمعية بإسم حقوق الإنسان لتغدق عليه أموال أجهزة المخابرات المعادية، ليصبح كما الكثيرون غيره أداة هدم للوطن، بل ناء بنفسه بعيدا عن الأضواء مراقبا بصمت تحقق أهداف الثورة .
 
وحينما انقلب المنقلبون، وعمت الفوضى البلاد ، اختار خندق النضال واندفع إليه رائدا موحدا ، وقائدا يحمل راية الوطن ، لم يترك فرصة الا اختارها في سبيل الوطن، فجيش الجيوش وتقدم الصفوف، وكان قائدا فذا ، وانسان تملؤه الإنسانية، يزور المرضى ويتفقد المساكين وينتصر للمظلومين ويعين المحتاجين.. وغير ذلك من الخير كله.
 
كان سائقا لنفسه يمشي في الأسواق يلبي الدعوات ويقضي حوائجه كأي مواطن بلا حراسة ولا مواكب، فقد اختار لنفسه ثوب التواضع والنضال والإفراج عن المختطفين حتى باغتته يد الغدر والخيانة صباح الأمس .. عاش شهما وقضى راسخا ثابتا كجبال سامع ، رحمه الله رحمة الأبرار وأسكنه الجنة مع الأنبياء والمرسلين الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
 
 
 

التعليقات